-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

اليهودي بلينكن والأسقف فيسكو الجزائري

اليهودي بلينكن والأسقف فيسكو الجزائري

يقول المفكِّر الأمريكي نعوم تشومسكي في كتابه المعنون بـ”ماذا يريد العم سام”؟ إن حكومات واشنطن “مستعدةٌ للوقوف أمام حقوق الإنسان إذا اقتضى الأمر إنقاذ سياستها وسلطتها داخل الدول، وتوسيع نفوذها عبر العالم”، ورغم أن المؤلف قدّم هذه المعاينة عام 1998، إلا أنّ السنوات والأحداث الدولية أثبتت صحتها.

ويمكن استدعاء هذه المعاينة اليوم بمناسبة صدور تقرير للخارجية الأمريكية بشأن ما سمِّي “الحريات الدينية”، صنِّفت بموجبه 17 دولة بأنها “مثيرة للقلق بشكل خاص لتورُّطها في انتهاكات جسيمة لحرية الدين أو تسامحها معها”؟! ومن بين البلدان التي شملها التصنيف الجزائر والسعودية وإيران والصين.

ومن سوء حظ معدّي هذا التقرير، وعلى رأسهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، أنه تزامن مع حرب غزة التي جعلت سمعة واشنطن في مجال حقوق الإنسان في الحضيض، ليس فقط لأنها تقدِّم التبرير تلو الآخر لحكومة الإجرام الصهيونية من أجل استباحة دم الفلسطينيين، ولكن لأنّ إدارتها تشارك بشكل مباشر في هذا العدوان وبشكل فجّ وغير مسبوق.

ورغم أن عددا كبيرا من المفكّرين ومراكز الدراسات سبق أن نشروا بحوثا وتحاليل تؤكد ازدواجية معايير واشنطن في التعامل مع ملف حقوق الإنسان عبر العالم واستخدامه في الابتزاز، إلا أنّ هذا التقرير بالذات سقط في الماء بمجرد خلوِّه من اسم الاحتلال الإسرائيلي ودول أخرى حليفة للولايات المتحدة.

وبالرجوع قليلا إلى الوراء، سنجد أن معركة “طوفان الأقصى” التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية، كان من أهم الأحداث التي عجّل بها استمرار تدنيس المسجد الأقصى والمقدسات في القدس من قبل جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين، فضلا عن سياسة التهويد التي تجري على مرآى الجميع، وقد بحّ صوت الفلسطينيين لإيصال رسالة مفادها أن الأمور تتجه نحو الانفجار، لكن لا حياة لمن تنادي.

فكيف يمكن لإدارة بايدن اليوم أن تقنع أحدا بشأن مصداقية التقرير وبُعده عن “السياسة”، في ظل عدم تصنيف إسرائيل ضمن الدول التي تنتهك الحريات الدينية، ليس في القدس فقط، ولكن في غزة حيث دمّر طيرانها الحربي أغلب مساجد القطاع وكنائسه من دون تقديم دليل واحد بشأن استخدامها لأهداف عسكرية؟

وكيف يمكن لواشنطن أن تُبعد شبهة “التوظيف السياسي” للحريات في سياستها الخارجية وتقريرها لم يدرج دولة مثل الهند في قائمة الدول التي تنتهك الحريات الدينية، في الوقت الذي تعاني الأقلية المسلمة هناك والتي تمثل 14 بالمائة من السكان من اضطهاد متواصل، ليس فقط من المتطرفين الهندوس ولكن من الهيئات الرسمية أيضا؟

وهل سيصدّق أحدٌ قائمة إدارة بايدن وهي تتغاضى عن حجم العنصرية المتصاعدة ضد المسلمين بعدة دول أوروبية، طالت معتقداتِهم وحتى مركزهم الاجتماعي؟ فحتى الأمم المتحدة ندّدت قبل أشهر بهذا الوضع القائم في فرنسا، لكن بوصلة بلينكن تعمل فقط باتجاه دول معينة.

وبالرجوع إلى تصنيف الجزائر ضمن الدول التي تخضع للمراقبة في مجال الحريات الدينية، فهذه المسألة قديمة وتعود إلى الواجهة في كل مرة، ولا يمكن فصلها عن قضايا السيادة الأخرى.

وبداية حكاية التضييق المزعوم على الحريات الدينية كانت مع صدور قانون ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين عام 2006، والذي جاء لسدِّ فراغ قانوني في هذا المجال، بالنظر إلى تكاثر الكنائس خارج القانون وسط حملة تبشير غير مسبوقة وبعيدا عن أعين السلطات.

وفور دخول القانون حيز التنفيذ، بدأت حملة مضادة من دول ومنظمات لإلغائه رغم أن هدفه واضح وهو إعادة تنظيم ممارسة شعائر غير المسلمين، فحتى بناء المساجد والمصليات في الجزائر التي تدين بالإسلام يخضع هو الآخر لتراخيص من السلطات، والواقع يقول أيضا إنه لا يمكن لأي مسلم أو منظمة إسلامية ممارسة هذه الشعائر في دول غربية من دون ترخيص.

ومن الصدف بشأن توقيت التقرير الأمريكي بشأن الحريات الدينية، أنه صدر في سنة شهدت منح الجنسية الجزائرية لرئيس أساقفة الجزائر، جون بول فيسكو، وهو ينتمي إلى الكنيسة الكاثوليكية ويعمل بالجزائر منذ عام 2002، فمن نصدّق: الأسقف فيسكو، أم اليهودي بلينكن؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!