الرأي

انتفاضة العراق تحرق ورقة المخطط الطائفي

ح.م

سقطت الورقة الإيرانية في العراق، وفقدت الأثر السحري لمرجعيات دينية وظفتها الإدارة الأمريكية في تنفيذ غزوتها العسكرية، حين جعلت منها غطاء لأكبر جريمة في التاريخ السياسي المعاصر، ظنا منها أن معتنقي المذهب الشيعي، رعايا إيرانيون، ويأتمرون بأوامر “الولي الفقيه”.

غذت طهران الإدارة الأمريكية بهذا المعتقد، حتى أيقنت إدارة جورج بوش حينها أنه الحق اليقين، قبل أن تعلن الراحلة غوندليزا رايس أن أمريكا ارتكبت آلاف الأخطاء في غزوها للعراق، وهي تبسط الأرض لغزو إيراني مواز لغزوتها غير المحسوبة بميزان سياسي دقيق.

الرئيس دونالد ترامب لم يقل كلمته بعد، وهو يرى الورقة الإيرانية تحترق بنيران الغضب العراقي، وتحترق معها رموزُها ومقدساتها، التي أوهمت البيت الأبيض زمن المحافظين الجدد، بأنها العصا السحرية التي تلجم أفواه العراقيين، وتشلُّ إرادتهم.

مرجعية علي السيستاني، التي احتمى بها المحتلُّ الأمريكي، فقدت قدسيتها المزعومة، في ثورة الغضب الشعبي، وصور رموز ولاية الفقيه التي شوَّهت الشارع العراقي ومسخت هويته، سقطت في منزلة المدنس.

لقد فرضت إيران هيمنتها على العراق، وكرستها أمام أنظار قوات الاحتلال الأمريكي، مخترقة سيادة وهمية، عبر دستور أخرق كرس حالة الصراع الطائفي، في ظل نظام محاصصة طائفي، تقوده أحزابٌ نشأت في الحضن الإيراني، تحتمي وراء ميليشيات مسلحة، يقودها ما يُعرف بـ”الحرس الثوري الإيراني”.

وإذ تمادى النظام الإيراني في إذلال الشعب العراقي، عبر واجهته التي تحكم البلاد، بفسادها وجهلها، أمام صمت عربي وعالمي، نشبت الانتفاضة الكبرى في الجنوب “الأغلبية الشيعية” لاستعادة سيادة العراق، وإسقاط المشروع الطائفي البغيض برمته.

التزم النظام الرسمي العربي الصمت، إزاء ما تشهده البصرة ومدن الجنوب الأخرى، وكأن الحدث في نظره مجرد حدث داخلي، لا يعني أمن المدن العربية الأخرى، أو استقرار النظم الحاكمة، لأنه لا يدرك سر انتفاضة الجنوب، ودوافع اندلاعها التي تعدت المطالبة بخدمات تليق بعيش كريم، ووصلت إلى المطالبة بتحرير البلاد من الهيمنة الإيرانية، وإزاحة السلطة الخاضعة لها.

النظام الرسمي العربي الذي ساهم في تكريس الهيمنة الإيرانية على العراق عبر الإقرار بها كأمر واقع، تجاهل منذ البدء خطرها على الأمن القومي العربي، وامتدادها إلى عواصم أخرى، وتمادى في تجاهله تماشيا مع الرغبة الأمريكية، أو التورط الأمريكي في استخدام الأداة الإيرانية في تدمير بلد وصف بأنه “البوابة الشرقية للوطن العربي”.

اليوم من جديد أغلق أبواب استشعار خطر التوغل العسكري الإيراني عبر المنافذ الحدودية في البصرة وميسان وواسط، لقمع الانتفاضة الشعبية وقتل المنتفضين، واعتقال نشطائها وتعذيبهم، ضاربة عرض الحائط قرارات مجلس الأمن الدولي.

النظام الرسمي العربي لم يدرك بعد أن انتفاضة الجنوب تستعيد سيادة العراق، وتحيي دوره القومي في قطع طريق التمدد الإيراني نحو دول الخليج العربي عبر مدينة البصرة التي لا تبعد الحدودُ الكويتية– السعودية عن مركزها سوى عشرات الكيلومترات.

ولو أدركت الأنظمة العربية سر انتفاضة الجنوب وانعكاساتها على الأمن القومي العربي.. لسارعت دون تردد نحو عقد اجتماع طارئ لمجلس وزراء الخارجية العرب في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، تحذر فيه إيران من مغبة التوغل العسكري في مدن العراق، وتدعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته تجاه خطورة الموقف الراهن.

مقالات ذات صلة