الرأي

بالأمل والعمل سننتصر على كورونا

ح.م

صحيح أنّ عدد الإصابات والوفيات بفيروس كورونا في تصاعد من يوم إلى الآخر، ليس في بلادنا وحدها، بل عبر أرجاء المعمورة كلها، مثلما أن الوباء خطيرٌ بسبب طبيعته المُعدية ولغياب اللقاح وضعف البنى الصحية التحتية في بلدان متخلفة مثل الجزائر، لكن مع ذلك نحن متسلحون بالأمل في رحمة الله بالأمة والإنسانية قاطبة، وبالثقة كذلك في قدرة الشعوب على تجاوز هذه المحنة بأقلّ الأضرار.

لقد ساءتنا منذ أيام مظاهر الاستهتار وسط شعبنا بخطورة الوضع، ولا نظن أن ذلك يعبِّر عن عدم مبالاة بقيمة الحياة ومنزلة الحفاظ على النفس البشرية، بقدر ما يعكس عدم إدراك لاحتمال ومآل الانتشار الواسع لا قدَّر الله للفيروس القاتل، ولم يشكل الشعب الجزائري الاستثناء في هذا الموقف، بل إن العالم كله ظل يتفرَّج على الصينيين وهم يواجهون نازلة الوباء قبل أسابيع، حتّى عمّ البلاء مساحة واسعة من وجه الأرض.

غير أن حركة الشارع ونمط الحياة الفردية والاجتماعية قد تغيرت كثيرا منذ أمس، وظهر جليّا تنامي الحس الصحي والوقائي لدى الجزائريين مثل غيرهم، وذلك وفق التدرُّج الطبيعي لتنامي منسوب الوعي والتعامل مع الخطر المحدق بالإنسان، طالما أن المسألة لم تكن محسوسة في بداية الأمر لدى كثيرين.

ما أردنا قوله باختصار إنه لا داعي الآن لجلد الذات أو اتِّهام المواطنين في وعيهم، لأنّ الشاذ يُحفظ ولا يُقاس عليه، ثم يُحجر عليه إن اقتضى الحال بقوة القانون، كما أن الوقت لا يصلح للتنابز ولا للتغامز ولا للتلاوم بين النخب والسلطات والشعب، إذ ما يزال البعض يعزف على وتر الفرقة وتحميل طرف ما مسؤولية ظهور الفيروس وانتشاره السريع في البلاد، والحقيقة أن تقدير الوضع في ضفتي البحر المتوسط لم يكن بتاتا متوقعا بهذا الحجم المأساوي، كما أنّ فرض الإجراءات الوقائية القاسية لم يكن في متناول الأجهزة الرسمية من أول يوم، لأنّ الجميع وقف على مشهدٍ غير مسبوق، واحتاجوا إلى وقت ضروري لأخذ الأمور بالجدية المطلوبة.

لذا لم يُعد من المجدي، والحال على ما نحن عليه الآن، العودة إلى الوراء للبحث عن الأسباب ومسبِّباتها، كما لم يعُد مفيدا لعموم الناس الاستغراق التحليلي في تفسير الظاهرة، بين المؤامرة الدولية العظمى أو حتميات القدر والطبيعة، بل إنّ ذلك سيكون سببا لذهاب ريح قوى المجتمع في مواجهة محنةٍ مقدور عليها بإذن الله.

إن المطلوب الآن هو التجنُّد الجماعي بكل ما هو ممكن، لإيقاع الهزيمة بفيروس كورونا ودحره عن بلادنا، والمسؤولية في ذلك ستكون جماعية كل من موقعه، أعلاها اتخاذ القرار السياسي في كافة المجالات، وأدناها الالتزام العام بالتدابير العمومية دون استثناء، وأوسطها التطوُّع والتبرُّع والنزول إلى الميدان للتطبيب وإسعاف المرضى والمساهمة في التحسيس والتعقيم.

وعلى خلاف ما حدث الأسبوع الماضي من جشع بعض التجار الذين لا يخافون ربَّهم ولا يرحمون أهلهم، فإنَّ الحياة التجارية عادت إلى مجاريها إلا ما كان من ندرة مواد محدودة بسبب الطلب الواسع عليها، بل وقفنا على صور إنسانية حيّة ومؤثرة ومحفزة لتكاتف الجزائريين وتضامنهم في كل المدن، حيث تطوَّع محسنون لتوزيع الكمامات والقفازات، وأبدع غيرُهم في صناعتها تقليديا، كما رفض تجارٌ رفع الأسعار والمضاربة فيها، بل تداعى آخرون إلى بيع المؤونة إلى محتاجيها عن بُعد، وتكفَّلوا بتوصيلها دون احتساب التكلفة، ناهيك عن وضع مَرافق خاصّة تحت تصرف الدولة للحجر الصحي، واستعداد رجال مال للتبرع للصالح العام…

كل هذه المؤشرات تجعلنا أكثر اطمئنانا على عبور المحنة بسلام، ولكننا لن نركن إليها، بل ندعو إلى مزيد من الاحتياط الفردي والجماعي، مع الجاهزية لمرحلة قد تكون أقسى، تقتضي منَّا صرامة أكبر وتكافلا أوسع بين شرائح المجتمع، لأنَّ تعطيل الحياة العامة للوقاية من الوباء سيعود بالضرر المادي المؤقَّت على قطاع واسع من الجزائريين، وحينها سيكونون بحاجة إلى تآزر متبادل من الجميع، كما أنّ على السلطات أن تتهيأ لطور أسوأ، بمخطط فعَّال ومتكامل، يراعي كافة الأبعاد الوقائية والصحية والاقتصادية والاجتماعية، وفي النهاية سننتصر لا محالة بمشيئة الله.

مقالات ذات صلة