-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بعد العاصفة

عابد شارف
  • 5469
  • 4
بعد العاصفة

بعد أن مرت العاصفة، وبعد أن عاد الهدوء إلى معظم مناطق الوطن، وبعد أن عادت الحياة اليومية إلى مجراها الطبيعي، وبعد صلاة الجنازة على الضحايا، وبعد أن اجتمعت المحاكم لتأمر بسنوات السجن في حق “المشاغبين”، جاء وقت الحصيلة والحساب. لا لمحاسبة هذا الطرف أو ذاك، لأن ذلك غير ممكن، ولا لتقييم فشل السلطة قبل وخلال الأزمة، لأن ذلك لا ينفع ولا تبالي به السلطة.

  • إن الحساب هنا يقتصر على أدنى وأسهل شيء، ويتلخص في سؤال واحد: هل فهمنا ما حدث؟ هل فهمت الجزائر، سلطة وحكومة وإدارة، ما حدث في بداية هذه السنة الجديدة؟
  • إن المعطيات الأولية لا تبشر بالخير إذا نظرنا إلى الطريقة التي لجأت إليها الحكومة في معالجة الأزمة. وسنكتفي بذكر بعض التصرفات التي ميزت موقف الحكومة خلال الأسبوع الماضي. فقد اعتبرت الحكومة أن ما حدث جاء نتيجة لارتفاع أسعار الزيت والسكر، أي أنها اختصرت الأزمة في قضية أكل. وتجاهلت الحكومة بذلك كل المعطيات الأخرى، ولم تتكلم عن الجانب السياسي والتنظيمي، ولا عن الفراغ الذي يعاني منه المجتمع من ناحية الهياكل التنظيمية والحزبية والنقابية التي تتكفل بالمواطن وبمشاكله.
  • ولما اجتهدت الحكومة وفكرت في الحلول، اختارت أن تتكفل بالقضايا المتعلقة بالأسعار فقط. وقدمت الحكومة تنازلات لم يطالب بها أحد، وجاءت بقرارات تهدف إلى إعادة الأسعار إلى أسفل مهما كانت الظروف، دون التفكير في العوامل الأخرى.
  • ومن جهة ثانية، فقد أكدت الحكومة مرة أخرى أنها مستعدة لتقديم تنازلات كبيرة أمام من يستعمل القوة. وقد حاولت بعض النقابات والأحزاب منذ سنوات طويلة أن تنشط، وتحرك المجتمع، وأن تقدم مطالب سياسية أو اجتماعية بطريقة سلمية، لكنها لم تجد آذانا صاغية، بل واجهتها السلطة بالعصي والقمع. لكن لما احترق الشارع، وانتشر التخريب، وأصبح الأمن مهددا، وسادت الفوضى، أسرعت الحكومة لاتخاذ القرارات التي من شأنها أن تعيد الطمأنينة.
  • وفي هذا الميدان، كانت رسالة الحكومة خطيرة جدا. فهي تقول للمعارضة السلمية إنها لا تبالي بها ولا بمطالبها. عكس ذلك، إن السلطة تشجّع أهل العنف لما تتجاوب مع مطالبهم. وتؤكد الحكومة أنها ليست مستعدة لفتح مجال النقاش والتشاور، وأنها تستبعد كل تفتح سياسي للسماح للأحزاب من النشاط بصفة عادية.
  • ويؤكد هذا الموقف أن الحكومة أصبحت لا تسمع ولا ترى ولا تفهم ما يحدث. إنها تجهل أو تتجاهل غضب الشارع. وقد قال أستاذ علم الاجتماع الزبير عروس إن الحكومة فقدت القدرة على فهم الشباب. ويشير هذا الطلاق إلى وجود عالمين: عالم السلطة والمال والمصالح الكبرى سواء كانت شرعية أم لا، وعالم الجزائر البسيطة التي تعاني تارة وتفرح تارة وتسعى للبحث عن لقمة العيش وتخرب البلاد لما تغضب.
  • ومن جهة أخرى، فإن الحكومة ضيّعت كذلك قدرتها على تطبيق القرارات التي تتخذها، حتى ولو كانت تلك القرارات إيجابية. وكانت أهداف الحكومة هذه المرة إيجابية فعلا، حيث أنها أرادت فرض الضريبة TVA على التجار، ودفعهم إلى اللجوء إلى البنوك في معاملاتهم التجارية. ولا يمكن إلا التصفيق لمثل هذه المبادرات. لكن الحكومة البيروقراطية المتسلّطة استعملت طريقة بيروقراطية متسلطة، فكان الانفجار. وفي ماض قريب، سبق للسيد أحمد أويحيى أن اقتطع جزءاً من رواتب الموظفين »بالذراع«، وطبّق ذلك الإجراء دون أن يحتج الشارع، ولعلّه ظنّ أن الشارع الجزائري استقال نهائيا ويمكن التلاعب به مثلما يشاء، فكانت المفاجأة هذه المرة.
  • كل هذا يؤكد صراحة أن السلطة تجاوبت مع ما حدث بطريقة روتينية، لأنها لم تدرك بعد أبعاد الأزمة ومعانيها الحقيقية. كما يؤكد أن البلاد مازالت معرضة للعنف، لأن نفس العوامل التي أدت إلى أزمة هذا الشهر مازالت قائمة، ولا شيء يشير أن السلطة ستبادر للتغيير. ومادامت أسباب الأزمة قائمة، فإن العنف سيبقى سيد الموقف، لأن الجزائر لا تريد أن تفهم ما يحدث.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • الحاج موسى

    لقد بدأت عاصفة دبلوماسية أمريكية أكثر خطورة من عاصفة الشعب، وهي بالفعل تعمل على تغيير الأنظمة -كما حمتها بالأمس- أو تقسم الأوطان، فلديها سيناريوهات جاهزة لذلك. والأمريكان ليس لديهم صديق للأبد. والحل في تصالح النظام مع شعبه وخصوصا نخبه. والشعب حريص على وطنه وإن أهين فلن يموت أكثر من مرة!

  • mahdjouba

    abed cheref toujour a la hauteur je sens que ces articles comme l oxgene pour notre pauvre peuple mais,???????????????

  • mohamedomar

    بسم لله الرحمن الرحيم.
    نشكر صاحب المقال عابد شارف.على التحليل الذي يقودنا الى التلميذ االغبي الذي لايستوعب الدروس هكذا حال النظام الذي يتجاهل شعبه لكن عليه ان يستخاص العبرماذا يقع في تونس ..............

  • سهام العلمية

    نعيب زماننا والعيب فيبا و ما لزماننا عيب سوانا