الرأي

بن صالح يرحِّل “ألغام الحوار” إلى ساحة المعارضة

حبيب راشدين
  • 1658
  • 9
ح.م

في خطابه للشعب عشية عيد الاستقلال حرص رئيس الدولة السيد بن صالح على تفكيك الألغام التي كانت قبل ثلاثة أشهر تعوق انطلاق الحوار، بقرارات ثلاثة منحت للدعوة الجديدة للحوار فرصة أوفر للنجاح، بإحالة قيادة الحوار لـ”شخصيات وطنية مستقلة ذات مصداقية، وبلا انتماء حزبي أو طموح انتخابي، تتمتعُ بسلطة معنوية مؤكدة وتحظى بشرعية تاريخية أو سياسيـــة أو مهنية” واستبعاد الدولة ومؤسسة الجيش التي “لن تكون طرفا في هذا الحوار وستلتزم بأقصى درجات الحياد طوال مراحل هذا الـمسار”، وثالثا بمنح المشاركين في الحوار “حرِّية مناقشة كافة الشروط الواجب توفيرها لضمان مصداقية الاستحقاق الرئاسي الـمقبل، والتطرُّق إلى كل الـمناحي التشريعية والقانونية والتنظيمية الـمتعلقة به”.

الخطابُ تقاطع بالكامل مع خارطة الطريق التي اقترحتها مؤسسة الجيش بترحيل مضامين الإصلاح وإعادة بناء مؤسسات الدولة للرئيس المنتخَب، وإصرارها على مرافقة الحَراك والطبقة السياسية في أي مسار لا يُخرِج البلد عن أحكام الدستور مع حرص بن صالح على تحديد جدول الأعمال للحوار القادم في عنوانٍ واحد: التوافق على شروط تأطير الاستحقاق الرئاسي القادم، واستبعاد أي عنوان آخر مما هو متداوَل اليوم في أكثر من خارطة طريق صدرت عن الأحزاب أو عن الفعاليات التي تنشط على هامش الحَراك.

وعلى مستوى آخر تحاشى رئيس الدولة التعاطي مع واحدٍ من أبرز مطالب الحَراك والمعارضة، له صلة بالحكومة، لكنه عالجه بالإعلان عن تحييد مؤسسات الدولة من الحوار ومن إدارة الاستحقاق القادم، بما يفيد أن الاعتراض القائم على الحكومة بحجَّة الخوف من التزوير قد رُفع بنقل صلاحيات إدارة الاستحقاق القادم ومراقبته للهيأة الوطنية، ومنح الأطراف المشارِكة في الحوار كامل الحرية لصياغة مقترحاتٍ لمراجعة القانون المنظم للهيأة وقانون الانتخابات، خاصة وأن آخر معوق قد رُفع مع رحيل بوشارب من رئاسة الغرفة السفلية.

غير أن ردود الأفعال الأولى للطبقة السياسية قد توقفت عند نفس الموقف من الخطاب الأول لرئيس الدولة، واعتبرت قيادات في المعارضة أن السيد بن صالح لم يأت بجديد، تحديدا من جهة ما كان يروَّج قبل الخطاب بساعات حول قرب ترحيل حكومة السيد بدوي، وهو تقديرٌ فيه كثيرٌ من المغالاة، لأن السيد بن صالح قد رحَّل ابتداء الاعتراض الأول للمعارضة التي كانت ترفض الحوار مع رئاسة الدولة وبقيادتها المطعون فيها، ودعاها إلى حوار محرَّر من مخاوف فرض السلطة لمضامينه، والتأثير في مخرجاته، ونقل إدارته إلى شخصياتٍ وطنية عليها إجماع.

ردود الأفعال السلبية تُضمر مقدِّمات لما سيصدر عن لقاء المعارضة، وقد وُضعت للأمانة أمام اختبار صعب، لأن أي رفض للحوار بشروطه الجديدة هو رفضٌ للحوار أصلا، ما دامت الصيغة الجديدة المقترَحة قد نسفت الاعتراض الأول للمعارضة برفض الجلوس مع رئاسة الدولة أو حكومة بدوي، وبددت المخاوف من بقاء حكومة بدوي بإبعادها عن إدارة الانتخابات القادمة، واستجابت لمطلب إشراك المعارضة في مراجعة قانون الهيأة المستقلة وتشكيلها، ثم في مراجعة قانون الانتخابات، بما يقيم الحجة على المعارضة التي لن يكون بوسعها الاحتجاج على السلطة إن هي تفرَّدت بعد ذلك بمراجعة قانون الانتخابات وتشكيل الهيأة ثم الذهاب إلى انتخابات تُجرى بمن حضر.

ما هو مؤكد أن السلطة الفعلية القائمة لن تتردَّد بعد هذا العرض في المضيّ قدما نحو تنظيم استحقاق رئاسي قبل نهاية السنة، وقد تُمهل المعارضة مهلة قصيرة لمراجعة مواقفها والدخول بجدية كشريك مسؤول، له كلمته في إثراء خارطة الطريق التي باتت واضحة، بل هي في تقدير مؤسسة الجيش ورئيس الدولة “الحلّ الديمقراطي الوحيد والواقعي والـمعقول” الذي أكدت مؤسسة الجيش أكثر من مرة على استعدادها التام لمرافقته ودعمه وحمايته.

مقالات ذات صلة