الرأي

بين‭ ‬الصمت‭ ‬والكلام‭!‬

قادة بن عمار
  • 4547
  • 2

المؤسسة العسكرية في الجزائر من حقها أن تعترض على وصفها من طرف الصحفيين بالصامتة الكبرى، رغم أن النواب الذين اختارهم الشعب في الانتخابات من أجل الحديث باسمه، والكلام نيابة عنه، لم نسمع أنهم اعترضوا يوما على تصنيفهم من طرف الجميع ضمن فئة الصم البكم العُمي، والذين‭ ‬لا‭ ‬يفقهون‭ ‬غير‭ ‬رفع‭ ‬الأيدي‭ ‬والمصادقة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تمرره‭ ‬الحكومة‭ ‬وترغب‭ ‬فيه‭ ‬السلطة؟‭!‬

 

الأحزاب الجديدة، والمعتمدة مؤخرا من طرف وزارة الداخلية، قال كثير من قياداتها وهو يستخرج ورقة اعتماده من طرف الإدارة أنه سيكون وفيا للسلطة، لا للشعب، صامتا إذا عزّ الكلام الصادق وثرثارا في حال انتشرت الأكاذيب والروايات المختلقة، لأن الأحزاب، الجديدة منها والقديمة، والتي ستتكلم كثيرا في الحملة الانتخابية حتى العاشر ماي المقبل، وستصدّع رؤوسنا بالثرثرة المخلوطة بالنفاق والكذب، ستفضل الصمت بعدها، سواء دخلت البرلمان أو لم تدخله، فإن كانت من المحظوظين بالفوز، ستلتزم الصمت مع رفع الأيدي والمصادقة فقط، لكن إن خيبت الصناديق‭ ‬ظنها‭ ‬وأخلطت‭ ‬حساباتها،‭ ‬ستركن‭ ‬إلى‭ ‬صمت‭ ‬مؤقت،‭ ‬حتى‭ ‬موعد‭ ‬الانتخابات‭ ‬المقبلة‭.‬

 

من حق المؤسسة العسكرية أن تعترض على وصفها بالساكتة الكبيرة، لأن الصمت في بلادنا بات جريمة لا تُغتفر، مثلما هو الكلام أيضا في كثير من المناسبات، جريمة يعاقب عليها القانون، وفي العديد من المرات، انتقد بعض المتابعين، الرئيس بوتفليقة على صمته، تماما مثلما تحدثوا‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬عهده‭ ‬بالرئاسة‭ ‬عن‭ ‬كلامه‭ ‬الكثير،‭ ‬فاحتار‭ ‬الرئيس‭ ‬يومها‭ ‬مصرحا‭:‬‮ “‬إذا‭ ‬تحدثنا‭ ‬قالوا‭ ‬أنه‭ ‬يتكلم‭ ‬كثيرا،‭ ‬وإذا‭ ‬سكتنا،‭ ‬تساءلوا‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬الغياب‮”‬؟‭!‬

البعض يتعامل مع إشكالية الصمت والكلام في الجزائر، وفقا للسؤال القائل: هل نتكلم أو نصمت؟ رغم أن البديهي والاعتيادي هو التفكير في مضمون الكلام أو فحوى الصمت، وتوقيت كل واحد منهما.. والغرض المنشود من اختيار أحدهما، علما أن كثيرا من رموزنا التاريخية فضلوا الصمت وكتمان الشهادة في كتابة التاريخ المعاصر، وكشف تفاصيل الثورة، لأنهم يدركون تماما أن الكلام غير مجدٍ في الوقت الحالي، فاختاروا الصمت، وتمسكوا به حتى اختارهم الموت، وقد يذهب كثير منهم إلى الصمت الأبدي، ويرحلوا عن دنيانا فينطق الصامتون جميعا ويطلقون ألسنتهم للحديث‭ ‬عن‭ ‬مناقب‭ ‬الفقيد‭ ‬وشجاعته‭ ‬ونقاء‭ ‬سريرته،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المنافقين‭ ‬مع‭ ‬الأستاذ‭ ‬عبد‭ ‬الحميد‭ ‬مهري‭…‬

في بلادنا، أن تصمت، فأنت في مشكلة، وإن تكلمت، فأنت في ورطة، أو مثلما تقول النكتة الشهيرة عن رجل بحث عن أي ذريعة لتطليق زوجته، فتركها في وسط السُلّم، ثم خيّرها.. إن هي صعدت ستُطلق وإن هي نزلت ستُطلق، فلم تجد حلا غير رمي نفسها من فوق،… هكذا تعامل السلطة للأسف‭ ‬الشعب؟‭!!‬

 

 

مقالات ذات صلة