بين آسيا جبار وأنريكو ماسياس
توافق وفاة كل من الأديبة الجزائرية آسيا جبار والممثل الفرنسي اليهودي روجي حنان في نفس الأسبوع ودفنهما في الجزائر انطلاق ألسنة كثيرة فيها الغث والسمين، ونتج عن بعض التعليقات خلط غريب، وأثارني منها ما اقترب من السذاجة، حيث أقحم البعض اسم أنريكو ماسياس في الأمر، وطالب، بكرم ليس من حقه أن يتفضل به، السماح للمغني اليهودي بزيارة الجزائر التي يحلم بها.
وأنا أعتقد أن هذا الخلط أمر معيب بالنسبة لأي مثقف يحترم نفسه، لأنه لا تشابه بينهما ولا تماثل.
وبداية يجب أن نخرج الأديبة الجزائرية الراحلة من لائحة المقارنات، ولقد حرصت على أن أكون في استقبال جثمان آسيا جبار في مطار هواري بومدين لعدة اعتبارات، أهمها أن الراحلة أوصت بأن تدفن في الجزائر، في حين أن جزائريين آخرين أوصوا بأن يدفنوا في بلدان أخرى، من بينها عدوّ الأمس، وربما كان الاعتبار الآخر ما عرفته من أن استقرارها في فرنسا، في منتصف السبعينيات، كان أساسا لسبب عائلي أكده ابنها بالتبني في حواره مع “الشروق“، وأضيف إلى ذلك أنني لم أرد أن يحتكر بعض الكتاب بالفرنسية رصيد روائية جزائرية أمازيغية الانتماء، وتدعيم الادعاء الكاذب بأنها مكروهة من المثقفين المؤمنين بالانتماء العربي الإسلامي.
وأتذكر أنني عندما علمت بتكريمها في عام 2000 من قبل مؤسسة ألمانية قمت، كوزير عابر للثقافة وبعد استئذان الأخ بشير بومعزة، بإرسال السيدة زهور ونيسي، التي كانت آنذاك عضوا بمجلس الأمة، إلى فرانكفورت للمشاركة باسم الجزائر في حفل التكريم، وتبرعت زهور آنذاك فأهدت المحتفى بها برنوسا من حرّ مالها.
لكن روجي حنان أمر آخر، وهناك من هم أقدر مني على استعراض مسيرته، وأنا شخصيا لم أشارك في استقبال جثمانه أو في جنازته، لكنني لا أحمل له نفس الكره والاحتقار الذي أحمله لغاستون غارناسيا، المدعو أنريكو ماسياس، والذي أقحمه البعض في نهاية التسعينيات على الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في حفل نظم بشكل مشبوه في فرنسا، فبلل يد الرئيس بالدموع وهو يستجدي زيارة لموطن أجداده، واضطر الرئيس، كرجل دولة يعرف أصول الديبلوماسية، للقول: أهلا بك.
وللعلم، فإن الجزائر لم تضع أي عقبات في وجه أنريكو ماسياس منذ استرجاع الاستقلال، برغم كل ما قام به في نهاية العهد الاستعماري من مواقف معادية، خصوصا إثر اغتيال الدكتور الخازندار في قسنطينة، لكن موقفه في 1967 غيّر الموقف الجزائري، حيث تصدّر مظاهرة هاتفة بانتصار إسرائيل أمام سفارة العدو الصهيوني في باريس، وعندها فقط أصدرت القيادة في عهد الرئيس هواري بومدين قرارا بحظر بث أغانيه، وبمنعه من دخول الجزائر، وتعاطف الجزائريون جميعا مع هذا القرار الوطني، ومنهم بسطاء حطموا أسطواناته.
وعندما منحه الرئيس بوتفليقة الترحيب الديبلوماسي لم يحترم ماسياس موقف الرئيس الجزائري، بل راح على الفور يُعدّ لزيارته وكأنه ممثل للجالية اليهودية، ووصل به الأمر إلى المطالبة بفتح التحقيق في مقتل صهره ريمون، الذي أعدمته جبهة التحرير الوطني كرد على اغتيال الخازندار.
وعندها تحرك الوطنيون لرفض الزيارة، وهو ما واجهه غارناسيا بنوع من التعالي رواه لي سماعين، الممثل الفرنسي ذو الأصل الجزائري، وكان مما قاله المغني الأحمق أنه سيزور الجزائر التي تفتح ذراعيها لاستقباله، ولن يثنيه عن ذلك موقف ثلاثة من الناس لا يمثلون شيئا (وكان يقصد بلخادم وخالد بن اسماعيل وعميمور)، وربما لقي تشجيعا على هذا من بعض من كانوا يتصورون أنهم بذلك يخدمون رئيس الجمهورية، ومنهم مسؤول كبير جدا قال لي: أنتم تقفون ضد سي عبد القادر، وأجبته على الفور: بالعكس، نحن نخدم التوجه الوطني لرئيس الجمهورية.
وفشلت كل ترتيبات زيارة لم تتم حتى اليوم، وأرجو ألا تتم أبدا.