الرأي

بين الأب دونا النڤريني الأمازيغي والقديس أوغستين الروماني

عثمان سعدي
  • 10277
  • 42

   نشر يوم أول ديسمبر 2016 الأستاذ محمد الهادي الحسني مقالا بالشروق عنوانه (أوغستينوس ) قوبل بحملة ظالمة غريبة من النقاش البعيد كل البعد عن العلمية. احتج الأستاذ الحسني على إصدار وزارة الثقافة الجزائرية فيلم عن القديس أوغستين بدل الأب دونا.   وقد سبق أن نشرت عن هذا الفيلم مفصلا. أود أن أوضح للمناقشين ما يلي:

   أولا القديس أوغستين لا علاقة له بالأمازيغية فهو روماني ابن رومانية ، تقول عنه الموسوعة الفرنسية ”يونيفرساليس”: ”ولد القديس أوغستين مواطنا رومانيا، هو من رومان إفريقيا، عاش مخلصا ثابت الإخلاص للحضارة الرومانية” [1]. والده يملك لوتيفوندا أي مزرعة كولونيالية رومانية على أرض سرقت من الفلاحين الأمازيع. هو يمثل المسيحية الكاثوليكية الرومانية التي تؤله المسيح كان يصلي باللاتينية. لقد قرأت كتبه فلم أجد ذكرا للأمازيغ والأمازيغية وإنما ذكر الكنعانية الفينيقية.

  ثانيا:  الأب دونا النڤريني Donatus Negrinus هو الذي يمثل الكنيسة الأمازيغية المغاربية مقره الأوراس هو الذي استنكر استغلال الرومان للمسيحية واستعمالها لتثبيت استعمارهم بالمغرب، فصاح صيحته المشهورة: “لا علاقة للمسيحية بالأمبراطورية الرومانية الله أرسل المسيح لإنصاف المظلومين من الظالمين” ، وكون مذهب الدوناتية الذي يختلف عن مذهب الرومان وأوغستين الكاثوليكي، فينكر ألوهية المسيح، ويقول بالطبيعة الواحدة للمسيح، كما كان الدوناتيون يصلون في كنائسهم باللغة الكنعانية الفينيقية القرطاجية بينما يصلي أوغستين في الكنائس الرومانية باللغة اللاتينة. ناضل الأب دونا ضد الاستعمار الروماني فاعتقله الرومان ومات في سجونهم بإسبانيا سنة 355 م. يقول فيه المؤرخ الفرنسي شارل أندري جوليان: “على امتداد أربعين سنة كان هذا المصارع الرهيب بارزا على الأحداث، ومن غير شك فإن التطور السريع للدوناتية يعود الفضل في تحقيقه له• كانت تتجمع في شخصيته سائر عناصر القائد والمنظم الأصيل والمستقيم، والعقائدي، والخطيب المفوه والكاتب الصلب، والمدرب والمكون للرجال، كان قاسيا  على نفسه مثلما هو على الآخرين• كان أنوفا شرس الطبع، كان يفرض المواقف على أساقفته الذين كانوا يعبدونه كالإله” [2] وهذه الصفاة تعبر عن الشخصية الأوراسية الأمازيغية.

   وخير من لخص رسالة الدوناتية الموسوعة الفرنسية ”يونيفيرساليس”، تقول: ”لقد تحول المذهب الدوناتي إلى ثورة ضد الظلم الاجتماعي والاحتلال الأجنبي، ولاقى صدى في الأوساط التواقة لاستقلال إفريقيا• وهو يشبه المذاهب القبطية والسورية، المؤسسة على الطبيعة الواحدة للمسيح• وقد اختلف عن الكاثوليكة في عدة نقاط، أهمها اللغة، فلغة الدوناتية ليست اللاتينية• كما اختلف عنها في وقوفه مع مطالب عمال الفلاحة البربر ضد اللوتيفوندات، هذه المطالب التي انضوت تحت المظلة الدواناتية• وبالرغم من أن هذا المذهب محافظ متشدد عقائديا، إلا أنه يصنف كمذهب تقدمي اجتماعيا، حيث يرفض استعمال المسيحية من طرف الإمبراطورية الرومانية التي تتناقض أعمالها مع طموحات الفقراء”• [3]   

   منعت الدوناتية من الرومان والبيزنطيين واستمر الدوناتيون يتعبدون بمذهبهم سرا حتى جاء الإسلام فاعتنقوه،  يقول المؤرخ الديني البريطاني فريند W.H.C.Frend في كتابه الكنيسة الدواناتية: ”إن الدوناتية كانت المقدمة لإلغاء الإسلام للمسيحية وللثقافة الرومانية” [4] 

 الخلاصة: أن أوغستين روماني كان اليد اليمنى للاستعمار الروماني، تبنى المستعمرون الفرنسيون شخصيته وورثت الجزائر المستقلة ذلك فاهتمت به وأهملت الأب دونا النڤريني الأوراسي الأمازيغي الذي كان بخطب بالأمازيغية في الجماهير ويصلي بالكنعانية الفينيقية في الكنيسة ، قال عنه الشيخ عبد الرحمن شيبان بأنه عبد الحميد بن باديس في العهد المسيحي. 

—-

[1] E.Universalis T2 P796

[2] Ch.A.Julien, Histoire de L’ Afrique du Nord Paris 1956 T2 P219   

[3] E.Universalis T5 P759 

[4] The Donatist Church , Oxford , 1952 W.H.C.Frend 

مقالات ذات صلة