-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بين الأحزاب والمعارضة

التهامي مجوري
  • 1583
  • 3
بين الأحزاب والمعارضة

الفرق بين اللفظين، أن الأحزاب تنظيمات لها تصوراتها ومجموعات متناغمة تعمل لهدف ما، وليس في برنامجها شيء من برامج الآخرين، أما المعارضة فهي مجموعة من الناس والأحزاب والهيئات تجتمع على قيم معينة تريد الالتقاء عليها. أما الموالاة فهي أحزاب وشخصيات وهيئات ترتمي في أحضان السلطة التي لها برنامجها ومشاريعها، فترتضيها رغبا أو رهبا.

التقيت في ندوة التنسيقية، التي أنشأتها أحزاب المعارضة، من أجل الحريات والتحول الديمقراطي، بجملة من الأصدقاء والزملاء، وغيرهم من الإعلاميين والسياسيين، وكانت التعليقات التي سمعتها منهم، متنوعة ومختلفة “اختلافا على الطريقة الجزائرية”، في اتجاه الجهات الستة، اليمين واليسار والأمام والخلف والفوق والتحت، وهذا لا يوجد في غير الجزائر بطبيعة الحال  .

ولكن تعليقات هامة لفتت انتباهي أسجلها فيما يلي  :

قال أحدهم: وأخيرا التقت المعارضة

وقال الثاني: أبعد ثلاثين سنة يدركون أنهم يجب أن يلتقوا؟

وقال آخر: هذه صورة جديدة للنظام..،

وقال رابع: ومع ذلك هي نقلة تشعر بأن النظام بدأ يستحي ويعود إلى الرشد..،

وأخيرا، لا بد من أن تكون هناك رؤية ناضجة؛ لأن هذا النظام “مرحي” ، ولا يمكن التغلب عليه بمجرد مشاريع ترقيعية، تقوم بها المعارضة، لا سيما إذا كانت هذه المعارضة من التي شاركته في مراحل سابقة.

وهناك أمور أخرى جاءت على لسان المتدخلين من ضيوف الندوة، فيها أيضا الاتجاهات الستة المشار إليها آنفا.

فهي بداية إذًا، وبداية مبشرة في رأي البعض، ولا جديد فيها عند البعض الآخر، والحكم عليها من خلال الأيام والممارسة عند فريق ثالث، ولكنها في تقديري ومن خلال المداخلات، التي استمعت إليها، وانطباعات الأصدقاء والزملاء، هي لملمة لشتات، أكثر منها مشروعا سياسيا منافسا للسلطة، وذلك يلمس من خلال طروحات الذين تكلموا.

وإذا استثنينا بعض المداخلات الأساسية، التي أكدت على أهمية هذا اللقاء، وضرورة نسيان الذاتية، في هذا الإطار الأوسع، وهو إطار القواسم المشتركة، والقواسم المشتركة، ليست بالضرورة هي مشاريع كل حزب، لا نلمس جديدا بمكن أن يكون منافسا للسلطة، أو تجديدا للمارسة السياسية.

ولكن مهما استبشر الناس، سواء من تعليقات المعلقين أو غيرها، فإن الثابت في تاريخ النضال السياسي الوطني، أن الأحزاب الوطنية يصعب عليها التغلب على ذاتيتها، وذلك منذ الأحزاب التي كانت أيام الحركة الوطنية؛ لأنها أحزاب وليست معارضة، أي أنها تمارس السياسة بالعقلية الحزبية، وليس بالعقلية النضالية التي تبحث عن مساحات مشتركة مع غيرها، في الخدمة البلاد، سواء كانت في المعارضة أو في الموالاة، ورغم أن جميعها كان –يومها- ينادي بالاتحاد والتكتل. ورغم أن الاجتماع والتكتل كان ضرورة يحتمها الواقع الاستعماري، الذي لا يفرق في ضحاياه بين جزائري وجزائري، ومع ذلك لم تجتمع الفئات المناضلة على قواسم مشتركة، إلا في فترات قليلة، لا يسع فيها الجزائري إلا الخضوع والاستسلام ومنها اندلاع الثورة؛ بل العكس هو الذي حصر، كانت التيارات تتمزق وتتشتت كما تتقاسمت الأحزاب اليوم إلى حزبين وثلاثة وأربعة.

ولعل أول تجمع للسياسيين، وكان منعرجا هاما في الحياة السياسية في البلاد، خلال القرن العشرين، هو المؤتمر الإسلامي الذي حضرته جميع التيارات السياسية في البلاد، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وهذا التجمع الهام في رأيي لم يكن ليسجل في التاريخ بهذا الثقل، لولا تدخل جمعية العلماء في الوقت المناسب، إذ كان الاندماجيون يومها يحضرون لمبادرة سياسية إندماجية وفق قناعاتهم التي يؤمنون بها، ولما علم العلماء بذلك قاموا بفعل استباقي لإبطال الصيغة التي يسعى إليها القوم، فدعا الشيخ عبد الحميد بن باديس إلى مؤتمر إسلامي، تشارك فيه القوى السياسية الوطنية ، فشارك فيه، الإندماجيون والحزب الشيوعي، وعناصر من نجم شمال إفريقيا، وأصبح إسمه حزب الشعب فيما بعد، رغم انه لم يكن له وجود يومها، والعلماء بطبيعة الحال باعتبارهم أصحاب الدعوة.

وتدخل ابن باديس، ومشاركة الجمعية بوفد في هذا المؤتمر، كان لحماية المجتمع الجزائري من الإندماج، الذي كان يفتي بتحريمه؛ بل بتكفير من يتجنس بالجنسية الفرنسية، ولحماية الطبقة السياسية الوطنية، التي لم يكن ينظر إليها على أنها خائنة، وإنما كان ينظر إليها على أنها فئات لها وجهة نظرها، ولها نصيبها من حب البلاد.

والتجمع السياسي الثاني الذي كان للجزائريين، كان في سنة 1951، وهو حركة الدفاع عن الحرية واحترامها، بعدما بحت أصوات المنادين بالاتحاد والتكتل إثر مجزرة في ماي 1945، وكانت أيضا بمبادرة فاعلة واستجابت لها الطبقة السياسية، وكانت رئاستها لجمعية العلماء في شخص الشيخ العربي التبسي رحمه الله، ولكنها لم تدم طويلا بسبب إخلال الحزب الشيوعي بالاتزام الذي التقت عليه المبادرة..

والتجمع السياسي الثالث والأخير في تقديري، هو إعلان الثورة وجمع الناس في إطار واحد في اول نوفمبر، والذين أعلنوها ليس التوافق الحزبي، أو برامج الأحزاب القوية، وإنما هم مجموعة من الشباب، تمردت على الجميع، وأعلنتها وأجبرت كل من له غيرة على البلاد أن يلتحق بها، ثم بعد ذلك كان استثمار العقلاء لعقولهم والمجاهدين لجهودهم، وذلك كان بعد تشتت وتمزق كبيرين، طال التكتلات الحزبية نفسها، ففي الوقت كان اشتياق الأمة إلى إطار يجمعها ويلملم شتاتها، كانت الأحزاب تتناحر بداخلها وفيما بينها، فالمسألة البربرية داخل حزب الشعب..، وعلاقة هذا لحزب مع العلماء..؟، علاقة الشيوعيين بالعلماء وبغيرهم؟ وقل مثل ذالك في كل حزب، من يقود الحزب؟ ولمن الأولوية لسياسة أم للجناح العسكري؟ وهل الإصلاح هو الحل أم الثورة؟ الموقف من الاستعمار في إطار المعادلة الدولية كيف يكون؟ ما علاقتنا بالحركة الاستقلالية بالمغرب وتونس؟ أينما تتده لا تجد إلا خلافا واختلافا وسوء تقدير وسوء نية.

أما بعد الاستقلال، واسترجاع السيادة الوطنية، فلم يكن هناك صوت، غير صوت السلطة، وكانت أولى الخروقات، التي قامت بها قيادة البلاد في هذا الموضوع، هي التضحية بالمعارضة التي كانت في قيادات حركة التحرير، بسبب غياب الثقافة السياسية، التي تحول الصديق عدوا، وتصنع من العدو صديقا، ومن غرائب الخريطة السياسية في الجزائر يومها، أن محمد بوضياف رأس جبهة التحرير، والمنسق الأول لمجموعة الـ22، يهجر البلاد بعد السجن والإهانه، ويقول “لا يمكن ان أعمل وفوق رأسي مكحلة، وتعيا السلطة تتلاوح في الشارع ولا يقبل بها أحد”، ويضطر بعد خروجه لتأسيس حزب معارض، ثم بعدما يئس من المعارضة حل الحزب، ولكنه بعد 30 سنة من المعارضة يؤتى به لتسحق به معارضة، “وفوق رأسه مكحلة ولم يقبل بالسلطة غيره”، ولما جاء جلب معه فريق عمله الذي كان في المعارضة، ثم يقتل في ظروف غامضة..، وغيره من المعارضين المغتالين والمهمشين والمغضوب عليهم والضالين من الموالين والمعارضين، كثر أيضا داخل البلاد وخارجه.

إن التحدي الذي يواجه مبادرة تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي، هو أن تحول الروح النضالية من داخل الأحزاب وخارجها، من مجرد قناعات حزبية قد تكون جزئية، إلى روح نضالية كلية، تجتمع على القواسم المشتركة بين جميع الجزائريين، وتطوّرها إلى مشاريع وطنية عامة وغالبة وجامع للوطن وأبنائه.

لا شك أن ذلك صعب وليس سهلا، ولكن الرهان على الصادقين من الطبقة السياسية، وعلى شباب الأحزاب والمجتمع المدني، الذين هم غير قياداتهم،  يحملو من الطاقة الشبابية ما ليس للكهول والشيوخ من السلطة والمعارضة، وإذا كانت الأحزاب لم تلتق في التاريخ إلا بقيادة من ليس منه، أو باندفاع الشباب، فإنها اليوم مسؤولة عما قد يفجر الأوضاع، لا سيما أن الوضع محتقن، والسلطة المتهمة بالتسلط، ولكنها بكل أسف تبرره، أكثر من أن تجتهد في تقليصه أو تقضي عليه.

الأحزاب المعارضة أيضا ينبغي أن تشعر بمستوى المشكلة وتعد لها عدتها، لأن خوض المعارك لا سقف له، وأدواته لا تقف عند تشخيص القضايا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • أنيس أبو الليل

    لن تخطو الجزائر خطوة نحو الأمام ما لم يفصل في مشروع المجتمع الذي لن يكون إلا عربيا إسلاميا دينه الإسلام وحده و لغته الرسمية العربية وحدها و من أراد مشروعا آخر فعليه بالذهاب إلى فرنسا يطبفه عندها ما دامت هي من يقف وراء هذا الطرح

  • المتأسف

    المعارضة الحقيقية لما كان قادة الفيس يزجون في السجون ، ولما جر عبد الحميد مهري جبهة التحرير الى روما (سانت ايجيديو) و لما كان حسين أيت أحمديندد بالعنف ضد الشعب بمقولة ( من يقتل من ) محاصرا النظام ، كانوا داعين مرارا وتكرارا الى الحوار الجاد ، لكن اتهموا بالخيانة من طرف السلطة و أذيال النظام من حركة حماس علنا والإرسدي سرا أيام كاناو مع العربي بلخير و خالد نزار ثم زروال يطبلون ويزمرون للنظام،ثم بن فليس مع بوتفليقة ، و اليوم يتحدثون باسم المعارضة، أقول لهم أكلتم يوم أكل الثور الأبيض

  • بدون اسم

    على الطبقة السياسية (معارضة و سلطة) التخلص من النظرة العدائية بين الطرفين و بذل ما في الوصع لجمع الشمل نحو هدف واضح و بين و التعاون على الخير و تجنيب البلد المؤامرات التي تحاك ضدها من طرف قوى خارجية لا تريد الخير للبلد و الشعب فهذه القوى لا يهمها قدور أو عمرو بقدر ما يهمها السيطرة و تفكيك الدول من الداخل؟ فهل تعي الطبقة السياسية هذا؟ أم تراها غارقة في حساباتها الضيقة التي لا تنظر إلى الواقع إلا بنظرة حزبية ضيقة؟