الرأي

بين سلفية ابن باديس وسلفية فركوس

محمد بوالروايح
  • 7133
  • 26

رد محمد علي فركوس على منتقديه من العلماء والإعلاميين في كلمته الشهرية الأخيرة المعنونة: “تبيين الحقائق للسالك لتوقي طرق الغواية وأسباب المهالك” يحمل من عبارات الإعجاب بالرأي ما يجعلك تعتقد للوهلة الأولى أنك أمام وحيد عصره الذي كثيرا ما تصدر التآليف والتصانيف لجهابذة العلم وأساطين الفكر في القرون الخالية، أو تعتقد أنك أمام عالم جامع جمع علوم الأولين والآخرين وامتلأ حكمة ثم طفق يعلم الدهماء والعلماء على سواء وعلى طريقة “إرشاد السالك إلى ألفية ابن مالك”، ولا يتورع في رمي مخالفيه بالغواية واتهامهم بعدم الدراية، ويشق عليهم فيرسم لهم سبيل النجاة على طريقة كبار الدعاة حتى يجنبهم المهالك ويرشدهم إلى أرقى المسالك.
في رد محمد علي فركوس كثير من الاعتدادية والنرجسية حتى إنه يخيل إليك أن الرجل يحدثك من عل فهو يستعين على منتقديه بابن تيمية وابن باديس ومقالات الشعراء ولو كانوا ممن وصفهم القرآن الكريم بقوله: “والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون” لأنه يرى نفسه في سجال ونزال يجعل كل وسيلة مشروعة طالما أنها تحقق الغاية المرجوة وهي إفحام الخصم.
لا أريد أن أقف عند كل ما قاله محمد علي فركوس في كلمته الشهرية لأنه في اعتقادي كلام مكرر ومجتر، كتب بلغة القرن الرابع الهجري أو ما قبله، ثم أضاف إليه فركوس من بدائع صناعته الفقهية وزخرفته اللفظية حتى صار أقرب إلى الجدل الكلامي الذي لا يتوانى هو نفسه في تشنيعه، وتبديع أهله، أريد فقط أن أقف عند ما قاله عن ابن باديس وعقيدته السلفية ورده على الطرقية والمبتدعة في زمانه، وأن الجمعية الأصيلة التي أسسها ابن باديس على منهج السلف ليست هي جمعية العلماء المسلمين الحالية التي ارتمت كما زعم في أحضان الصوفية وتنكرت لتعاليم ابن باديس بما اختلقته وابتدعته، ولأن محمد علي فركوس كان بحاجة إلى تسويق هذا البهتان على جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الحالية فإنه لم يجد بدا من الاستعانة بجواهر البيان للشيخ محمد البشير الإبراهيمي “الذي استقى وانتقى من كلامه ما يؤيد فكرته عملا بمقولة: “كل يجر النار إلى قرصه”، ولم تكن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الحالية هي وحدها من طالها صلف فركوس بل كان هذا قدرا مشتركا تقاسمته معها مؤسسات الأمة، وذلك بقوله إن هناك من بنى مرجعيته الدينية على البدعة الأشعرية وجعلها مدار الولاء والبراء، وهكذا استوى الكل عند فركوس في الثلب والسب.
يدعي محمد علي فركوس وصلا بابن باديس وينبري -كما يزعم- للذود عنه ضد المتاجرين بأفكاره مما يوحي بطريقة أو بأخرى أن ابن باديس معتدى ومفترى عليه فهو السلفي الذي خانه بعض أتباعه ونسبوا إليه ما ليس من فقهه وفكره، ولذلك وجب أن يرد إلى حمى السلفية.
لقد نظرت في سلفية ابن باديس فوجدتها سلفية بناءة مثمرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، سلفية جمعت الأمة وامتنعت عن الزج بها في براثن الفتنة، وعي أصحابها رسالة الجمعية الجامعة فلم يدعوا إلى عصبية ولم يكن لهم من خصوم إلا من حاد عن الجادة من الطرقيين ومن لفّ لفهم، سلفية جعلت الحق فوق كل أحد والوطن قبل كل شيء، سلفية لم يؤثر عن إمامها أنه أطلق العنان ليراعه ولسانه لينال من إخوانه، ونظرت في سلفية محمد علي فركوس فوجدتها سلفية مفرقة منفرة يدعي أصحابها وصلا بالسلف ولكنهم لا يقتدون بهم في الصدق وخلق الرفق “ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه”، لقد استخدم محمد علي فركوس للنكاية بمخالفيه كل أساليب التقريع والتجريح التي تتنافى مع الخلق والمنهج السلفي تنافيا مطلقا، إن سلفية هذا شأنها ليست إلا كذبا على السلف ونصبا وصلفا وتعصبا تجعل صاحبها أحرى بوصف “لا سلف ولا خلف” كما قال شيخنا وأستاذنا محمد الغزالي رحمه الله.
لقد بعث محمد علي فركوس الخلافات الفقهية القديمة بعد فوات وأحياها بعد موات، وعاد بنا إلى عهد المهدي بن تومرت وكيف أنه أخرج أهل المغرب عن السلفية وأدخلهم في طريقته الشيعية، فما الجدوى من إثارة هذه الخلافات التي انتهت وانتهى صاحبها ونبت الربيع على دمنه، واختار المسلمون بعده مرجعيتهم وذادوا عنها والتفوا حولها؟، وما الجدوى من الاستغراق في سرد تاريخ الفرق وقد ولى من زمان ولم يعد له ذكر على أي لسان.
لقد فرق محمد علي فركوس أوصال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وقسمها إلى جمعية أصيلة، وهي تلك التي أسسها ابن باديس وجمعية حالية غلبت عليها النزعة الفلسفية والحزبية، وأقول إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين هي جمعية واحدة موحدة وممتدة، لا يؤثر فيها عامل الزمان، وهي في صورتها الأولى والأخيرة جمعية إسلامية إصلاحية جزائرية وكفى.
ويصل صلف محمد علي فركوس إلى منتهاه وهو يتهجم على جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وعلمائها فيصفهم بأنهم اتخذوها مطية لاستغفال الأمة وتكثير السواد وإضلال العباد، حيث يقول: “..هكذا أضحت جمعية العلماء المسلمين الأصيلة بين أيدي جمع من الفلاسفة والمتصوفة وأضرابهم من المتحزبين ومن ينتسب إلى مذهب السلف زورا -مع الأسف الشديد- يشوّهون مبادئها، ويعبثون بمقوماتها، ويعيثون فيها فسادا، فغيروا معالمها وخططها وأضاعوا أسسها ومقاصدها، وأخلوا بقواعدها ومناهجها، وأدخلوا فيها البدع والعوائد والحوادث، ولبسوا على الناس صوت الحق وخنقوه بعويلهم وصيحاتهم، وانتفضوا على أهل السنة وضيقوا عليهم في المساجد وغيرها من الميادين الدعوية، فخانوا العهد، وضيعوا الأمانة، واتخذوا من الشيخ عبد الحميد بن باديس -رحمه الله- واجهة لها ودثارا وذريعة ليكسبوا قلوب الجزائريين باسم الجمعية وليمرروا من ورائه -ما أخفوا- تحته من مذهب الأشعرية والصوفية شعارا، ويحيوا بها أباطيلهم وينشروا خرافاتهم فسلبوا الجمعية الباديسية جوهرها ومضمونها المتمثل في تقرير التوحيد والاتباع وتقويم الأخلاق على منهج أهل السنة والجماعة القائم على محاربة الشرك والبدع والحوادث، وذم التعصب المذهبي والجمود الفكري ونحو ذلك”.
هكذا لا يتورع محمد علي فركوس في تصوير القائمين على شؤون جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بأنهم أشبه بجماعة من النفعيين الذين باعوا الجمعية، وباعوا القضية، وتستروا وراءها لحاجة في نفس يعقوب قضاها، فهل هذه سلفية أم خلفية أم نزعة انتقامية؟

مقالات ذات صلة