الجزائر
أستاذ يلخص مسيرة 40 سنة في الحقل الجامعي:

بُرمجنا لقتل شبابنا في المدرجات!

صالح سعودي
  • 4664
  • 12
ح.م

اختار الأستاذ الباحث العربي فرحاتي من قسم علم النفس وعلوم التربية بجامعة باتنة خيار التقاعد مع مطلع هذا العام، وهذا بعد مسيرة 40 سنة كاملة في الحقل الجامعي، طالبا وأستاذا للتعليم العالي، حيث أرجع قراره بالحتمي، خاصة في ظل ما اسماه السياسة البيروقراطية التي لا تشجع على التفاعل العلمي والمعرفي في الوسط الجامعي.
أكد الدكتور العربي فرحاتي جنوحه إلى خيار الانسحاب من مهنة التدريس في الجامعة، وسط أجواء من التشاؤم وأخرى من الاعتزاز، بناء على مورده المعرفي طيلة أربعين سنة طالبا وأستاذا للتعليم الجامعي، في جامعة مكنته من التعلم الذاتي والتواصل مع باحثين وجامعات كثيرة داخل وخارج الوطن، مضيفا أنه فضل العيش في الجامعة لاهثا وراء اكتساب المعرفة بشكل عصامي، خدمة لأمانة الشهداء بأقصى ما يمكن من الحرية وأخلاقيات اكتساب المعرفة الرصينة.
ولم يتوان الدكتور العربي فرحاتي في انتقاد السياسة الجامعية التي اهتمت في نظره بالبناء البيروقراطي المؤسسي، وإصدار ترسانة من القوانين حتى كادت في نظره أن تظهر الإصلاحات المتتالية مجرد قانون يعدل أو يمحي قانونا سابقا دون أي تقدم نحو “الدمقرطة”. فكانت مسيرته مع التدريس – حسب قوله – مجرد تجربة أسبوع تكررت لسبع وثلاثين سنة، وقال في هذا الجانب: “برمجنا لقتل شبابنا في المدرجات بصفتنا آباء معدين لأفعال التنميط، وفق هذا الإصلاح وذاك، وبرمجنا قانونا للخضوع لمشروع قتل أبنائنا لنا رمزيا في إصلاحات أخرى كانت للانفلات واللامعيارية عنوانا”، معتبرا أن السياسة الجامعية لم تفكر في بناء المشروع المعرفي المبني على الخبرة السوسيولوجية المجتمعية في إنتاج صيغ الحياة والثقافة واللغة، وما تنتجه النخب من معارف عالمة عابرة للأوطان والقارات، وقال الأستاذ السابق بجامعة باتنة: “ما حدث من إصلاح وفق صيغة (ل.م.د) لا أظنه يرقى إلى المشروع المعرفي ولا أظنه يتجسد، لأننا لسنا من المجتمعات الليبرالية التي يستجيب لمطالبها (ل.م.د) كمعرفة ومهارات وكحاجات”، معتبرا أن جامعتنا كباقي مؤسساتنا تتغير من الخارج ولا تتغير ذاتيا ولا حضور لرأسمالها المعرفي الذاتي ولا الاجتماعي.
وانتقد الدكتور العربي فرحاتي طغيان المشروع المؤسسي البيروقراطي (الجامعة المؤسسة) على مفهوم “الجامعة الفكرة المعرفي”، وحسبه بغياب مناخ الحرية اللازم للإبداع، جعلنا لا نستطيع أن نتأهل إلا للاستهلاك المعرفي بالتبليغ، أو بالنقل في التدريس، مضيفا بالقول: “رغم محاولاتي وبعض الأساتذة قتل “العبد” في ذوات أبنائنا من شبابنا الجامعي بتعليم النقد والتفكير كحالة عصامية، لكن لم نفلح”، مؤكدا أنه أريد لنا أن نسكت ونتكيف وفق صيغة “لا تقرأ وانجح” و”لا تعمل واكسب”، ما جعله حسب قوله يبرئ نفسه من النتائج الضعيفة التي قدمها للجامعة، مقدما اعتذاره حسب قوله للأجيال التي مرت عليه على ما قد يكون تقصيرا منه. وخلص الدكتور العربي فرحاتي إلى القول: “آثرت أن أعيش ما بقي لي من العمر خارج المؤسسة، من حيث هو عيش في فضاء حر خال من (افعل ولا تفعل). ومن (لا تقرأ وانجح) من حيث هي أحد مظاهر الفساد الجامعي. وأعيش بعيدا عن تحكم الممرنين الذين كبر فيهم العبد وتضخم بشكل فظيع، يعرفون السبيل للريع ولا يعرفون للحكامة معنى ولا سبيلا”. ورغم حالة التشاؤم التي بدت على الدكتور العربي فرحاتي، إلا أنه بدا متفائلا في أن ما زرعه الأحرار من الأساتذة من شأنه أن يحيي جودة الجامعة وحريتها.
ومعلوم أن الجامعة الجزائرية قد عرفت السنتين الأخيرتين لجوء عدة أكاديميين وباحثين إلى اختيار التقاعد الاختياري، رغم مكانتهم وكفاءتهم، على غرار الباحث ناصر جابي من جامعة الجزائر، وحبيب مونسي من جامعة بلعباس، وعبد الله حمادي من جامعة قسنطينة، والقائمة طويلة.

مقالات ذات صلة