الرأي

تاكلوا الرهج!

جمال لعلامي
  • 1528
  • 6
أرشيف

عاد هذه الأيام الحديث بقوة عن ملف “السوسيال”، أو سياسة الدعم الاجتماعي، وقد أثار تصريح وزير المالية، ثم “توضيح” وزارة المالية، لغطا وهرجا ومرجا، فالمسألة مرشحة للمراجعة، سواء بإلغاء الدعم عن بعض المواد الهامة، كالوقود والكهرباء والماء والخبز والحليب، أو من خلال إعداد قائمة انتقائية يتمّ فيها التمييز والمفاضلة بين المستفيدين من الدعم!

ليس خافيا أن الملايير المخصصة للدعم الاجتماعي، إلى أن يثبت العكس، ومنذ عشرات السنين، يستفيد منها الجميع، فهل يُعقل أن يشتري الوزير والمدير والوالي والمير والغفير وسائق الحمير، “الخبزة” بنفس التعريفة؟ أليس من عجائب وغرائب الدنيا السبع، أن يتزاحم هؤلاء وأولئك في طابور حليب “الشكارة” وبنفس السعر يتحصلون عليه؟

مراجعة الدعم -إذا حصل- وتحوّل من مجال الوجود بالقوّة إلى مجال الوجود بالفعل، فإنها يجب أن تتوسّع لتشمل أيضا قوائم أخرى، فالسكن مثلا مازال يسيّر بنفس العقلية، فهل من العدل أن يستفيد صاحب الملايير من سكن اجتماعي أو ريفي أو إيجاري أو حتى ترقوي عمومي، بنفس الثمن الذي يدفعه الموظف البسيط والإطار “المزلوط” والعامل الذي يتقاضى الحدّ الأدنى المضمون؟

نعم، لقد فعل “السوسيال” فعلته، وإلاّ لما تساوى الفقير والغني في اقتسام ما لا يقل عن 170 ألف مليار سنتيم، مخصصة تحديدا لضمان القوت والمساعدات الموجهة لدعم الغذاء والدواء والوقود والكهرباء والسكن والصحة، وغيرها من اللوازم والضروريات الحياتية، التي صرفت عليها الحزينة العمومية “فوادها” دون أن يدفع  غير المستحقين سنتيما واحدا؟

عندما يتساوى الملياردير مع “الشهّار” في تسعيرة المواد الغذائية الأساسية، ويصرفون نفس الثمن لاقتنائها، ولا فرق هنا بين حانوت الدشرة، والمركز التجاري الفخم، فلا بدّ أن يتحرك الصادقون من أجل “دعم” أطروحة وزير المالية، حتى وإن كان حقّا يُراد به باطلا، من أجل تقليص فاتورة “السوسيال” بإعداد بطاقية وطنية للمعوزين والمستحقين الفعليين لأموال الدعم!

لمن السؤال المطروح: كيف يتم ضبط قائمة المعوزين؟ ومن هم المستحقين؟ ومن يضبط هذه القائمة: شبعان يعرف المزيّفين، أم جوعان يعرف جيدا أسماء وعناوين الغلابى والمطاردين للقمة عيشهم هنا وهناك، وفي كلّ مكان وزمان، برّا وبحرا وجوّا؟

إلغاء الدعم بصفة نهائية، هو قرار خاطئ ومجحف وخطير، لأنه سيضرب أعناق الفقراء والبسطاء والتعساء، ويقضي على الدولة الاجتماعية التي كرّسها الدستور وأعراف الدولة منذ البدايات الأولى للاستقلال الوطني، لكن بالمقابل، لا أحد سيقف ضد سحب البساط من تحت أقدام “الشحّامين” و”الغمّاسين” والانتهازيين الذين يأكلون دعم غيرهم، أو على الأقلّ يأكلون من الدعم رغم أن شروط الأكل لا تتوفّر فيهم، وهم كمن يأكل “الرّهج” إلى الأبد!

مقالات ذات صلة