جواهر
آسيا بنت مزاحم.. شهيدة التوحيد

تحدّت فرعون وصدحت بإيمانها فكافأها الله بقصر في الجنّة

جواهر الشروق
  • 5875
  • 0

قال الله تعالى {.. وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ..} التحريم 11-12

 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”أفضـل نساء أهل الجنة، خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون” 1135- صحيح الجامع

ضرب الله بها مثلا طيّبا للمؤمنين، وشهد لها رسوله الكريم بالأفضلية بين نساء الدّارين، إنها آسيا بنت مزاحم ملك مصر في عهد يوسف عليه السلام، هي امرأة شريفة من بني إسرائيل، قيل من سبط موسى عليه السلام، أذاع سيرتها بريد الثناء، وخلّدها الذكر الطيب على تراخي الأحقاب، فهي نموذج لزبدة الصلاح من مخيض الفساد، عاشت ردحا تحت سقف واحد مع فرعون، أكبر طاغية وأشهر جاهل عرفه التاريخ، مع ذلك لم تتدنس فطرتها النقية وظلت تدثر إيمانها بشغاف القلب.

شاءت إرادة الله وحكمته أن يدخل بيتها وافد مبارك، وهو نبيه المختار موسى عليه السلام، بعد أن وضعته أمّه في الصندوق رضيعا، ثم ألقت به في اليمّ خوفا من فرعون، الذي تجبر وتكبر وابتدع صنوف البطش والظلم ببني إسرائيل، حيث استحيا نساءهم وقرر ذبح كل مواليدهم من الذكران، بعد أن رأى في المنام أن هلاكه على يد رجل منهم.

ما إن حلّ كليم الله بين يديها، حتى وقع في قلبها وهفا إليه شوقها وعطفها، وعندما رآه زوجها وهمّ بذبحه مثلما فعل بغيره، دافعت عنه وراحت تقنعه باتخاذه ابنا لهما: {.. وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ..}

وبعد إلحاح منها أكرمها الله بقبول فرعون لطلبها، فترعرع النبي موسى عليه السلام في كنفها تحنو عليه حنو الأم الرؤوم، وعندما كبر وبعثه الله برسالة التوحيد، سقى بدعوته تلك البذرة الطيبة في قلبها،  ففتحت مسامعها له، وصدحت بتوحيدها، متحدّية زوجها فرعون الذي لم يكن أحد يجرؤ على مخالفة أوامره.

 وُضِعت آسيا في مفترق الطرق، وخيّرها فرعون بين العدول عن قرارها والكفر برب موسى، وبين صلبها مع جموع من آمنوا، فلم تترد في اِختيار طريق النعيم الخالد، على طريق النعيم البائد، فحاول فرعون إغراءها بمكانتها وبنعيمه الذي ترفل فيه، وراح يهددها بطردها من القصر، وحرمانها من الطعام، لكنها ظلّت متمسكة بإيمانها مشيحة بوجهها عنه، وعندما يئس منها أخذ يذيقها صنوف العذاب، حيث أمر جنوده بأخذها إلى الصحراء، وربط كل طرف من أطرافها في وتد تحت أشعة الشمس الحارة، بلا طعام ولا شراب، وأصبح كل يوم يمر عليها ليختبر مدى تمسكها بإيمانها، فلا يرى منها سوى الصبر والاحتساب. وكانت ترد عليه بمثل ما رد به أباة المؤمنين الذين صلبهم “.. لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا..}  [ طه 72]

فلما يئس منها ورأى استماتتها في التمسك بإيمانها، أمر جنوده برفع صخرة كبيرة إلى مكان عال ثم رميها عليها، وفي آخر اللحظات سئلت هل تتراجعين أم لا؟ فإذا بها ترفع ناظريها إلى السماء وتتوجه بقلبها إلى الله وهي تقول {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} [التحريم: 11]

وقال المفسرون: أراها الله عز وجل بيتها في الجنة، قبل أن تصل الصخرة إلى جسدها، ليزيدها قوة وسكينة، ثم فاضت روحها إليه قبل أن تمسها صخرة فرعون، فطوبى لهذه المرأة المجاهدة، التي ضربت أروع مثال للصبر وقوة الإيمان، فكانت للمؤمنين مدرسة.

 

مقالات ذات صلة