-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تحية رياضياتية لوالي المدية

تحية رياضياتية لوالي المدية

ما هو عدد أولئك الذين يولون للعلم وتحصيله وقضاياه المتشعبة، من بين ولاة أمورنا، الاهتمام المستحق؟ إنهم يشكلون “مجموعة مهملة” (بمصطلح نظرية القياس). من لم يصدق ذلك فليسأل عن حال أكاديمية العلوم والتكنولوجيا التي مر على التحضير لها سنوات عديدة ومن المفترض أنها تضم الآن خيرة من ولدتهم أمهاتهم في المجال العلمي! ما هي الإمكانيات التي وضعت تحت تصرفهم ليشرعوا في مباشرة مهامهم؟ لا شيء يذكر بعد مضي 20 شهرا على إصدار قائمة “الخالدين”!

وليسأل عن المركز الوطني للبحث في الرياضيات الذي حُضرت وثائقه منذ سنين ووافق عليه كبار المسؤولين في الدولة، بل حددوا لهذا المركز قطعة أرض لتشييده في سيدي عبد الله غرب العاصمة ثم سحبت منه… ولا يزال المشروع حبرا على ورق مليء بالتوقيعات التي لا وزن لها! 

وليسأل عن التلاميذ والطلبة الذين وهبهم الله ذكاء متميزا ويطمحون في تجسيد أحلامهم في التفوق والتألق، وتمثيل بلادهم أحسن تمثيل في المحافل العلمية على المستوى العالمي… أية مرافق هيئت لهؤلاء؟ أية مؤسسات خصصت لهم؟ لا شيء فوق أرض الشهداء! 

وليسأل عن كمشة نجباء التلاميذ الذين شاركوا وسيشاركون في الأولمبياد العالمي في الرياضيات وربما في اختصاصات أخرى كالفيزياء، أية عناية أحيطوا بها؟ وأي تكوين خصص لهم؟ وأي تكفل مادي قامت به السلطات، وعلى رأسها وزارة التربية الوطنية؟ لا شيء في أرض الواقع الملموس عدا حلو الكلام.

رغم كل هذا وذاك من المحبطات نجد من حين لآخر رجالا من ولاتنا يتخذون القرارات الصائبة في هذا المجال. وآخر من سمعنا بمبادراته الطيبة السيد والي المدية الذي كان في السابق على رأس ولاية تيبازا وغضب عليه ذات مرة السمّاكون يبدو لصرامته في تسيير شؤونهم. 

ومن عمله الصالح أنه قام في الصيف الماضي بتكريم عديد المتفوقين في ولايته، وعلى رأسهم تلميذة المدية التي اختيرت على  المستوى الوطني للمشاركة في روما (إيطاليا) مع 3 تلاميذ آخرين في أولمبياد الرياضيات للبحر الأبيض المتوسط  خلال الصيف. وكان تكريما غير شكلي حسب ما بلغنا. وهذا شيء جميل.

ولم يكتف السيد الوالي بهذه اللفتة المشجعة للفتيان بل نادى على السيد مدير التربية بالولاية ليعلمه أنه قرر تخصيص مبلغ معتبر من المال (يُقدر بمليونيْ دج) لمرافقة نخبة التلاميذ في الولاية طيلة السنة الدراسية. وكان الأمر في بداية الأمر يخص فقط تلاميذ الثانوي. لكن المناقشات التي تمت بين الولاية ومديرية التربية أفضت إلى أن يشمل هذا التكوين الإضافي في الرياضيات للمتميزين  خلال مراحل التعليم الثلاث. 

وجدية مدير التربية بولاية المدية جعلته يلجأ إلى المفتشين ذوي الخبرة في المنافسات العلمية الأولمبية ويطلب منهم أن يعدّوا له مخطط عمل سنوي كاقتراح يسير عليه هذا التكوين الذي يمس 9 مستويات، وكان ذلك أيضا من الأمور التي طلبها الوالي. ولم يقصر هؤلاء الخبراء في تأدية هذا الواجب المهني حتى من خارج الولاية. فالكل مشكور على سعيه من أجل رفعة البلاد في هذا المجال.

ذكّرنا هذا الخبر بوالٍ آخر، وهو والي الوادي سنة 2005، حين نُظمت هناك أكبر ورشة عالمية في الهندسة الرياضياتية دامت 15 يوما، وفاق عدد المشاركين فيها 120 طالبا وأستاذا، منهم أجانب أتوا من 10 بلدان (من إفريقيا وآسيا وأوروبا). وكان لا بد من إيوائهم وإطعامهم طيلة هذه المدة. وكان الوالي يشجع المبادرة دون أن يدرك مقدار التكاليف.

ولما علم بها، وكان قد قرب موعد الورشة وقدمت له بعض الوثائق لتوقيعها، تفاجأ بالمبالغ الباهظة المطلوبة. لكن إرادته القوية في إنجاح الورشة جعلته لا يتراجع وبحث عن الحلول ووجدها. وقال للزملاء المنظمين قولته الشهيرة “معندناش دراهم لكن عندنا الكوراج” (ليست لدينا أموال لكن لدينا الشجاعة) !وما دامت فاتورة الإطعام هي الأكثر ارتفاعا حجز الوالي قاعة كبيرة في الولاية (يبدو أنها في الأصل كانت مطعما) وأمر بأن تكون مكان الإطعام وإعداده خلال فترة الورشة. وكان قرارا حكيما أسهم في أنجاح الورشة التي أثنى عليها كل من حضرها.

فما أحوجنا إلى مبادرات من هذا القبيل، في ولاياتنا وبلدياتنا، تجاه التلاميذ والطلبة. والحقيقة أنه لا نخفي بأننا أصبحنا لا نثق أبدا في مبادرات ووعود سلطاتنا العليا والمركزية في هذا الشأن لأننا لم نلمس من هؤلاء الالتزام بالوعود كما أسلفنا، ولا تحفيزا للمواهب العلمية التي تبعث الأمل في نفوس الشباب الطموح. ولذلك فأملنا كبير في أن تسد هذا الفراغ الخطير السلطات المحلية مثلما فعل والي المدية المشكور مرة أخرى على مبادرته الوجيهة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • بدون اسم

    السلام عليكم
    شكرا ..
    الكوراج ثم الكوراج ثم الكوراج،
    الجزايري قلبــــه حـــــــار قادر من "الحبــــــة يصنع قبـــــة"،
    (... فكرتنا أستاذ إذاعة متنقلة على متحن شاحنة، صنعت المعجزات، في أوقات صعبة صعبة ..؟)
    الله أيكثـــــــــــر من امثالهم، وانشاء الله تتوسع هاذ المبادرات "العلميــــــــة"
    على مستوى الوطن،
    أحسن من مبادرات الشطيح،
    احتراماتي
    وشكرا