-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تحية لجنوب إفريقيا

تحية لجنوب إفريقيا

كنت قد تناولت أكثر من مرة مواقف الشمال النصراني- العبراني من قضايانا الوطنية وذكّرت، بالأمثلة التاريخية، سلسلة الأعمال الإجرامية للقوم هناك ضد شعوب الجنوب، بل أحيانا ضد أبناء جلدتهم نفسها، وكان من ملامحها إعدام “جان دارك” حرقا قبل إعدام “سليمان الحلبي” باستعمال “الخازوق”، وبين هذا وذاك شنق جثة “كرومويل” بعد أن “شبع موتا”.

ولا حديث عن محاكم التفتيش الإسبانية ومآسي الجمعة 13 ومذابح البروتستنانت الفرنسية، فكلها قضايا معروفة، وتؤكد أن “سوسة” العنف والتوحش موجودة في نفوس القوم، تغطيها قشرة التصرفات الإنسانية التي يفرضها التغني بالشعارات الحضارية.

لكن التوقف عند هذه المعطيات المؤكدة تاريخيا يمكن أن يقودنا إلى خطأ تاريخي أكثر خطورة، لأن هناك وجها آخرَ للعملة يجب ألا يغيب عنّا إدراكُه وحسن التعامل معه.

لقد كان للجماهير الأوربية والأمريكية بوجه خاص فضلٌ كبير في وضع حدّ نهائي لحرب الفيتنام، إذ كانت التظاهرات الشعبية مصدر صداع دائم للقيادات الأمريكية السياسية التي تشكِّل جبل الثلج العائم لشركات الأسلحة ولوبيات النفط وتجمعات الحقد الأبيض.

وكان دور جماهير الشعب الفرنسي حاسما في إقناع القيادة الفرنسية بأن “الجزائر الفرنسية” قد أصبحت نكتة سمجة يدفع ثمنَها أبناؤُهم، وربما كان أكبر نجاح للثورة الجزائرية أنها نجحت في تأليب شرائح فرنسية مؤثرة ضد سياسة الإليزي والكيدورسي.

وهكذا كانت تظاهرات الشعوب في الشمال واحدا من أهمّ أسلحة الجنوب في محاربة الاستعمار بما فرضته من ضغوط على الساسة وأصحاب القرار.

وهنا تبدو روعة الإنجاز الذي حققه “طوفان الأقصى”، برغم الثمن الرهيب الذي دفعه ويدفعه أبناء فلسطين، ولا أركز على غزة وحدها رغم أنها دفعت الثمن الأفدح، لكن القضية الرئيسية هي فلسطين، هي كل فلسطين، وأفضّل هنا ألاّ أخوض فيما يمكن أن يُعدّ غمزا ولمزا في رفات “أوسلو”.

من جهة أخرى، أتصور أن التظاهرات الشعبية في الوطن العربي يمكن أن تحمل أكثر من معنى ودلالة، انطلاقا من تحديد “المؤسسة” الدافعة لها والمُحرِّكة لعناصرها، وهنا يكمن الاختلاف الجوهري مع تظاهرات الشمال.

وتجاهل هذه الحقيقة يمكن أن يكون مصدرا لخديعة ضبابية قد تصبح أحيانا دعما غير مباشر للإجرام الصهيوني.

بوضوح أكثر، يمكن اعتبار التظاهرات الشعبية أمرا جديرا بالتقدير إذا كانت “مبادرات” تتمكن من أن تفرض على القيادات الوطنية اتخاذ مواقف تتطلبها تطورات الأحداث وازدياد خطورتها.

أما إذا كانت من نوعية “أوسعتُهم سبًّا وفازوا بالإبل”، أو لكي يُقال “من ذا قالها”،  فلا يمكن أن تحظى بنفس التقدير الذي تحظى به تظاهرات شعوب الشمال ضد حكوماتها، لمجرد أن التظاهر ليس هدفا في حدّ ذاته وإنما هو وسيلة من وسائل تحقيق الهدف المطلوب، وهو إيقاف العدوان الهمجي على أشقائنا في ربوع الأقصى.

وهذا يعني أن أي تظاهرات لا تحقق ذلك الهدف يجب أن تعتبر إدانة لأنظمة الحكم التي تؤكد، بسلبيتها، أنها لا تحترم صرخات شعوبها وأنّات أبنائها ودماء شهدائها.

ومن هنا تصبح أنظمة حكم معينة أجدر بالإدانة من حكام لندن وواشنطن وباريس، وتصبح “جنوب إفريقيا” أكثر عروبة ممن صدعونا طوال السنين الماضية بصرخات “أمجاد يا عرب أمجاد”.

وقد كان الأمير تركي الفيصل، وهوَ من هوَ، موفَّقا كل التوفيق وهو يقول إن “ما قامت به منظمة “حماس” من هجوم على إسرائيل، والطريقة التي استطاعت بها أن تغزو الحصن الحصين الذي وضعته إسرائيل حول غزة، أدى إلى تحطيم الصورة التي كانت لدى الكثير من الناس في العالم، من أن إسرائيل منيعة ضد أي قوة ممكن أن تنافسها، أو تجاريها، أو تتحداها في المنطقة”.

وواقع الأمر أن هذا النجاح، مضافا إلى الصورة الإنسانية التي تعامل بها رجال المقاومة الفلسطينية، والمتناقضة تماما مع وحشية الكيان الصهيوني، هو ما استثار الشارع في الشمال، وفي أمريكا وبريطانيا على وجه الخصوص.

لكن الغريب هو أن هناك ممن ينتسبون أو ينسبون لنا لا يعجبهم ذلك، ويتهمون كل من يطرح الأمر على هذا النحو بأنه من دعاة الإخوان، وهي العقدة التي تنفخ فيها مخابراتٌ معينة لأسباب لا تخفى على أحد، ويتستر وراءها من يحاولون التقليل من حجم ما تحقق بالنسبة للقضية الفلسطينية، والذي قال عنه الأمير حرفيا في إطار تعليقه على نجاح المقاومة إن “القضية لم تمت، كما ادّعى البعض خلال السنوات الماضية”.

ولقد أشرت في حديثي إلى دور الشارع الأمريكي لدعم ثوار الفيتنام ودور الشارع الفرنسي في التجاوب مع ثورة الجزائر، كما سبق لي أن تناولت دور الشارع الأوربي في النتائج التي خرج بها الوطن العربي من عدوان 1956.

وزبدة القول هو أن الشارع في الشمال هو حليفٌ طبيعي لنا إذا أحسنا تقديم قضايانا، وهو ما لا يتناقض مع ما قلته من التوجه العبراني النصراني الرأسمالي للقيادات الغربية بوجه عام، وليتضايق من قولي هذا من يريد.

لكنني لا أنسى أن أول ما قام به الجنرال دوغول عند توليه رئاسة الجمهورية الخامسة هو إقامة جناح كنسي في قصر الإليزي، وأن أول ما نطق به وزير الخارجية الأمريكي وهو يزور إسرائيل بأنه يأتيها كيهودي.

أما تبرئة الكنيسة لليهود من دم المسيح فهو ليس شأني، لمجرد أنني، كمسلم، أؤمن بأنهم “ما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبّه لهم”. وردّا على الذين يتساءلون هناك الذين يتساءلون: أين عساكركم…؟

ردّا على الذين يتساءلون هناك الذين يتساءلون: أين عساكركم…؟ أقول لهم: اسألوا قادتكم السياسيين والعسكريين أين كان عساكرنا في 1967 وفي 1973 وكم واجهوا من جنود العدو دفاعا عن بعض أهمّ مدنكم، وكم سقط منهم شهداء وجرحى (وبالمنسبة أحد قادتهم خالد نزار توفي منذ أيام) وهو ما لم نقله نحن لأننا لا نتاجر بمواقفنا.

أقول لهم: اسألوا قادتكم السياسيين والعسكريين أين كان عساكرنا في 1967 وفي 1973 وكم واجهوا من جنود العدو دفاعا عن بعض أهمّ مدنكم، وكم سقط منهم شهداء وجرحى (وبالمنسبة أحد قادتهم خالد نزار توفي منذ أيام) وهو ما لم نقله نحن لأننا لا نتاجر بمواقفنا.

أما قضية النفط والغاز التي يلوكها من يتجاهلون حقائقها، فالقرار فيها جماعي ولا مجال فيها لقرار فردي ضرره أكثر من نفعه .

وبلادنا مفتوحة الأبواب للإخوة وليست عندنا معابر نغلقها في وجه الأشقاء أو نمنع مرور شاحنات الإنقاذ للجوار الجريح.

ووجود تركيا في الناتو له جذوره التاريخية وكل بلد عربي مسؤول عن مواقفه، شعبا وحكومة وجنرالات.

وأعتذر للقراء الأفاضل عن اضطراري لوضع بعض النقاط “تحت” بعض الحروف.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!