الرأي

ترقية الأمازيغية أم الفرنسية؟!

اعتقدنا، بحسن نيّة في الإدارة، أنّ بيان وزارة الداخلية حول إجراءات الحج الذي صدر مؤخرا باللغة الأمازيغية مرسومة بالحرف اللاتيني مجرّد اجتهاد خاطئ سيقع استدراكه لاحقا، لكن المشهد المستفزّ تكرّر في الأيام الماضية من بلدية براقي في العاصمة، حيث أقدم المسؤولون المحليّون، خلال استقبالهم لوزير القطاع نور الدين بدوي، على تعليق لافتة توجيهية في أعلى قاعة المداولات بالأمازيغية، لكنها بحرفين فقط، هما التيفيناغ واللاتيني، مع إقصاء الحرف العربي!

ومع أنه لا فائدة من الإشارة إلى ما أقرّه الدستور بهذا الخصوص، لأنّ قوانين الجمهورية هي آخر ما يمكن أن يردع مسؤولينا في الجزائر، طالما أن العدالة لا تزال تنشد استقلاليتها، إلّا أنّ التنبيه القانوني لأمثال هؤلاء واجب، فقد صدّعوا رؤوسنا بمكسب “ترسيم فخامة رئيس الجمهورية للأمازيغية”، لترك الانطباع أنهم يتصرَّفون وفق القواعد الدستورية، بينما ينتهكون أحكامها بشكل صارخ لحسابات سياسوية ضيقة، ذلك أنّ المادة الرابعة من دستور 2016 تنص على أنّ تمازيغت هي كذلك لغة وطنية ورسمية، تعمل الدولة لترقيتها وتطويرها بكل تنوعاتها اللسانية المستعملة عبر التراب الوطني، مضيفة “يُحدث مجمع جزائري للغة الأمازيغية يوضع لدى رئيس الجمهورية، يستند المجمع إلى أشغال الخبراء ويكلّف بتوفير الشروط اللازمة لترقية تمازيغت قصد تجسيد وضعها كلغة رسمية فيما بعد”، ما يعني أنّ مبادرات مصالح الداخلية خارج القانون تماما، فهي تقفز على اختصاص المجمع الأكاديمي المرتقب إنشاؤه لهذا الغرض، فضلا على أنها تتجاوز التنوُّع اللساني المناطقي للأمازيغية، إذ أنّ الشاوية والميزابيين مثلاً يرفضون الحرف اللاتيني ويفضِّلون العربي، بينما يتمسك الإخوة التوارق بالتيفيناغ، أمّا عموم الجزائريين الآخرين فهم يرافعون لترسيمها بحرف الضادّ لتُجاور شقيقتها العربيّة في رصّ بنيان الهوية الوطنيّة.

هذه المؤشرات تؤكد على ما يبدو أنّ المخطّط مدبّر سلفا، إذ يستبق القوم عجلة الزمن لفرض الأمر الواقع على الأغلبية من الجزائريين، من خلال تكريس هيمنة اللغة الفرنسية عبر استعمال حروفها في كتابة الأمازيغية، لتكون النتيجة في النهاية هي حماية لغة المستعمِر من الاندثار وليس ترقية تمازيغت المفترى عليها!

أليس من عجائب الدنيا السبع أن يزعم بعض المسلوبين حضاريّا أنّ من مصلحة الأمازيغية كتابتها بالحرف اللاتيني، حتّى تنتشر وتخترق العالم، بينما يتجنّى هؤلاء على العربيّة بزعمِ أنها متخلفة ولا تواكب العصر؛ أي لا أمل في أن تسود الآفاق من جديد!

لقد فكّر القوم في غزو الكون بأمازيغيّة مُفرنسة، لأنّ كل المفردات المفقودة سيتم تلقائيّا سدّها بلغة فولتير، بينما تغاضوا عن مصير البلد الواحد، لا بل إنهم يزرعون الألغام الموقوتة في حقوله الآمنة، وهم يؤسّسون عُنوة للقطيعة بين أبناء الوطن الموحّد وتمزيق أواصر الأخوَّة بين مكوناته العرقيّة باسم تعدّد “الهويات”، لأنّ الأخيرة ستكون قاتلة بإصرارهم على تفتتيها، بدل تكاملها في إطار البوتقة الحضاريّة الجامعة مع الإسلام والعربيّة.   

إنّ الخطّة تبدو الآن مكشوفة، وهم يسعون في السرّ والعلن إلى إقصاء الحرف العربي بكل الطرق، حيث الهدف المنشود هو التقليص من حضور العربيّة لصالح الفرنسيّة ولو في صورة أحرف تُرسم بها الأمازيغية، إذ تُدير أطرافٌ كثيرة تحت رايتها رحى المعركة ضدّ الانتماء الأصيل للجزائريين.

مقالات ذات صلة