-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“القائم مقام” الذي قام

عمار يزلي
  • 779
  • 0
“القائم مقام” الذي قام

يمثل فوز الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بعهدة انتخابية جديدة مدتها 5 سنوات، فوزا مستحقا بكل المقاييس، وربما فاجأ خصوم الداخل وأعداء الخارج قبل أصدقاء الخارج وأعداء الداخل.

وبالنظر إلى كل التحديات والرهانات التي سبقت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والضغوط المحلية والدولية، جراء تبعات سنوات الوباء وما نجم عنه من ارتفاع التضخم وضعف العملة التركية، وتراكم المتاعب الاقتصادية والسياسية والأمنية التي عرفتها خلال السنوات الأخيرة والتي راهن عليها الخصوم والأعداء في الداخل والخارج، كان الاستحقاق مستحقا؛ ذلك أن تركيا سجلت مع ذلك، زيادة في النمو القومي وصل إلى ما فوق 4%، وهذا بسبب الترشيد السياسي الاقتصادي التي انتهج في الملف الروسي الأوكراني في عزّ العقوبات الدولية غير المسبوقة ضد روسيا، وموقف تركيا البراغماتي والنفعي من الأزمة، وهي الدولة العضو في “الناتو”، خاصة في ملف الغاز والتعاون النووي والوساطة في صفقة الحبوب.

الطبيعة البراغماتية لسياسة إردوغان من الصراع الدولي في المنطقة وغيرها من الملفات الأخرى، إضافة إلى موقفه من ملف الثقافة والأسرة والدين والأعراف الإسلامية، كل هذا، وبقدر ما دفع إلى أن يحشد له وضده، المكوِّنُ العلماني الشعوبي العرقي كل آلاته، فقد كان أيضا دافعا ومحركا عاملا محفزا وحاشدا وشاحذا للهمم الدينية والقومية والأخلاقية والثقافية المرتبطة بجذور تركيا الإسلامية التاريخية.

هذه الانتخابات كانت تمثل اختيارا فاصلا وحاسما ومفصليا بين نظامين فكريين إيديولوجيين، ثقافيين سياسيين: التيار العلماني الغربي والتيار التركي الإسلامي الديمقراطي. فوز هذا الأخير، يعني فوز غالبية الشعب التركي ذي الميل الإسلامي القومي والديمقراطي، والذي من شأنه أن يعزز التقارب التركي العربي الإسلامي، والتقارب التركي الإيراني الروسي وبقية الدول المناهضة للعولمة والقطبية الأحادية. هذا الانتصارُ الساحق سيفرض كثيرا الرهانات المستقبلية من أجل إنجاح التجربة “الديمقراطية الإسلامية“، التي يمكن القول اليوم بشأنها، وبلا مواربة، إن تركيا إردوغان قد انتصرت لنفسها وانتصرت للخيار الديمقراطي الإسلامي، الذي كثيرا ما شكَّك فيه الخصوم والأعداء وراهنوا على فشل التجربة التركية في إقامة ديمقراطية فعلية وحقيقية، مقياسها ومعيارها الوحيد الصندوق الشفاف والانتخابات التي لا لبس فيها ولا شُبهة.

النجاح التركي في إنجاح تنظيم انتخابات ديمقراطية بكل المقاييس الغربية والعالمية، أفرز واقعا جديدا وهدم أوثانا كان الكثير في الغرب الكبير يؤلِّهها ويثني عليها ويبني عليها دينه وديدنه المستقبلي لتركيا، ويشكِّك فيها ويشحذ سكاكين إعلامه ضد الرئيس إردوغان باعتباره رئيسا أوثوقراطيًّا لا يؤمن بالديمقراطية ولا يحترمها. فوز إردوغان شعبيا، يمثل انطلاقة أخرى لفترة قد تستمر بعدها لعدة سنوات كمدٍّ سياسي واختيار تنموي وفكري وثقافي يمكّن تركيا من مواصلة الإنجازات الكبرى والضخمة في كل المجالات التي انطلقت قبل الانتخابات، سواء في مجال التصنيع أو التجارة أو الصناعات العسكرية وغيرها… مستثمِرة الإرث الطاقوي الذي دشّنه إردوغان مع روسيا في مجال تجميع الغاز وتسويقه وفي مجال الحبوب والطاقة النووية السلمية التي ستهيِّئ تركيا لكي تصبح خلال 10 سنوات إحدى أقوى دول المنطقة إن لم تكن أقواها اقتصاديا وعسكريا، بالنظر إلى ما ينتظر أوروبا من مستقبل غير آمن في مجال الطاقة بعد العقوبات التي فرضها الغرب على نفسه من خلال رغبته في معاقبة غيره، وما قد ينجر عن ذلك من انكماش اقتصادي قد يغيِّر كل المعادلات في الغرب الكبير سواء في أوروبا أو أمريكا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!