الرأي

تركيا والمصْيَدة الأمريكية في إدلب

حسين لقرع
  • 1178
  • 12
ح.م

إذا نفّذت تركيا تهديدها بإخراج القوات السورية من المناطق التي استعادتها في ريفي حلب وإدلب بالقوة، إن لم تمتثل لإنذارها بالخروج سلماً قبل نهاية شهر فبراير الجاري، فستكون احتمالات الحرب عالية، وقد تتوسّع إلى مواجهةٍ لا قِبل لها بها مع روسيا نفسها

الإنذار التركي يبدو غريبا جدا وغير منطقي بالمرّة؛ فالجيش السوري موجودٌ في بلده، ولم يعتدِ على حرمة الأراضي التركية ولم يغزُها حتى تطالبه تركيا بالانسحاب وتحدّد له مهلةً معيّنة وتهدّد بضربه.. هل تقبل تركيا أن يغزو أيُّ جيشٍ أجنبي جنوبَها لدعم حزب العمال الكردستاني ويطالب جيشَها بالانسحاب من أراضيه ويترك الانفصاليين الأكراد يصولون ويجولون كما يحلو لهم؟ أليس المنطقي هو أن تدعو سوريا الجيشَ التركي إلى الانسحاب من أراضيها، وليس العكس؟

قرابة ثلاث سنوات مرّت على توقيع اتفاق أستانة الذي حدّد منطقة خفض التصعيد في إدلب، لكنّ هذه المدّة الطويلة لم تكن كافية للتوصّل إلى حلٍّ سلمي يعيد هذه المحافظة والأريافَ المحيطة بها في حلب، إلى سلطة الدولة السورية، ومن ثمّة وضع نقطة النهاية للأزمة السورية برمّتها، والسماح بانطلاق عملية إعادة البناء، وعودة ملايين اللاجئين والنازحين إلى ديارهم.. المعارضةُ المسلحة في إدلب وأرياف حلب ترفض أيّ تسويةٍ سلمية تراعي تغيُّرَ الوقائع على الأرض في غير صالحها، وبعضها لا يزال يتمسّك بمخرجات اتفاق جنيف 1 الذي ينصّ على مرحلةٍ انتقالية تُديرها هيئةٌ انتقالية مستقلة كاملة الصلاحيات تنتهي برحيل النظام المنتصِر في الميدان وتسليم الحكم لها!

والأكثر من ذلك، فإنّ الجميع يعلم أنّ “جبهة فتح الشام” التي يصنّفها العالم كله، على أنها تنظيمٌ إرهابيّ، كانت تسيطر على معظم أراضي محافظة إدلب، بعد أن طردت منها التنظيماتِ المسلحة الموالية لتركيا، ومع ذلك لم يسبق لتركيا أن اشتبكت معها ولو مرَّةً واحدة، أو نفّذت من جانبها التزامها بفصل الجماعات “المعتدلة” عنها بموجب اتفاق سوتشي الموقّع في سبتمبر 2018، بل تركت لها الحبل على الغارب، وتعمّدت الإبقاء عليها، لأنها تعلم أنّها أقوى التنظيمات المسلحة على الأرض بتعدادٍ يتجاوز 20 ألف رجل، قصد الاستقواء بها على الجيش السوري، واليوم تتدخل تركيا بنحو 15 ألف جندي مدعّم بأسلحةٍ ثقيلة، ليس لحماية الجماعات المسلحة الموالية لها فحسب، بل أيضاً لحماية “جبهة فتح الشام” الإرهابية.. هل يُعقل هذا؟!

إذا شنّت تركيا حربا على الجيش السوري وتمكّنت من إخراجه من المناطق التي استعادها في إدلب، فهذا يعني إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل ثلاث سنوات، ما يرشّح الأزمة للاستدامة سنواتٍ أخرى تُفتح فيها على كل الاحتمالات، ومنها إقامة دويلة مستقلة لجماعات المعارضة و”فتح الشام” في إدلب.

لكن روسيا قد لا تترك حليفها السوري لقمة سائغة للقوات التركية، وقد تتدخّل لمساعدته على صدّ هجومها، وهنا ستجد القواتُ التركية نفسها في ورطةٍ كبيرة؛ فإما أن تمضي في حربٍ خاسرة مع الدبّ الروسي لن تنفعها فيها بطاريةُ صواريخ يتيمة ترسلها إليها أمريكا كمصْيَدةٍ لجرّها إلى هذه الحرب بغرض إلحاق خسارة كبيرة بتركيا ستؤثر في هيبتها وصورتها في المنطقة طويلا، أو تنسحب مرغمَة أمام الطيران الروسي بعد أوّل معركة، مع ما يخلّفه ذلك أيضا من ضرب هيبتها في الصميم.

ونأمل أن يتحلّى أردوغان بالحكمة والتعقّل ويبحث عن مخارج سياسية من هذا المأزق تحفظ له ماء الوجه، وأن يساعد في إيجاد تسويةٍ سلمية واقعية للأزمة السورية بدل عرقلتها بشتّى السبل.

مقالات ذات صلة