-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تشاد.. كر وبلاء

تشاد.. كر وبلاء

إفريقيا مستودع مفتوح لأكبر الأزمات المتوارثة من حقب استعمارية بغيضة، حريتها لم تكن انتزاع سيادة كاملة في قارة تعيد بناء وجودها، هي نمو لبذور فتن خبيثة أزهرت صراعات وحروب داخلية، تغذيها تدخلات قوى خارجية، وضعت مخططات بعيدة المدى، لها آليات مد انتعاش الأزمات واتساع مساحات حضورها في مجتمعات تزداد فقرا.

تشاد نموذج متكامل الأبعاد لأزمة قارة إفريقيا، فتحت فوق أراضيها معسكرات تنظيمات متمردة، في بيئة تفتقر للغذاء، لكنها غنية بسلاح قادر على خوض حروب مع جيوش نظامية، تحت شعار الطريق نحو بناء نظام ديمقراطي في ظل وفاق الاجتماعي.

“جبهة التناوب والوفاق” مختصر لواقع إفريقي متمرد، يسلك نهجا دمويا في تحقيق ما يراه “حضارة معاصرة لنظام سياسي حاكم لا يقصى فيه أحد”، تمركزت في جنوب ليبيا وقدمت لها خدماتها القتالية، وانشغلت في محاربة تنظيم القاعدة الإرهابي، وتحالفت مع الجنرال خليفة حفتر في الشرق الليبي، حتى أضحت وكأنها تنظيم يناسب كل المقاسات.

تخوض “جبهة التناوب والوفاق” بفكر فرانكفوني، يؤدي مهام عدة، حربا عسكرية ضد النظام التشادي الحاكم، حتى اقتنصت رئيسه المخضرم إدريس ديبي، في جبهة القتال، معلنة توجهها نحو العاصمة نجامينا، لولا موانع وضعتها الحاضنات الكبرى.

تمتد أزمة تشاد ببعديها السياسي والأمني، في دول إفريقيا عدة، وتلقي بظلالها هناك، فهي المحور الإفريقي الأهم جغرافيا في محاربة الإرهاب المتفشي في الساحل الإفريقي، والمكان الجوهري في إقامة قواعد عسكرية تؤدي مهام إستراتيجية بعيدة المدى.

السودان رغم ما تعانيه من صراعات داخلية في أقاليمها، لها يد طولى في تشاد، ولها تأثيرها الأمني، فـ”جبهة التناوب والوفاق” جاءت منشقة من رحم “اتحاد قوى الديمقراطية والتنمية” التي تنمو في حضن رعاية ودعم سوداني “شرق”، وذهبت إلى حضن عسكري ليبي “شمال” زج بها في صراعات داخلية، ودعمها بالمال والسلاح المتطور.

أضحت تشاد وكأنها كر وبلاء في موقعها المحوري، المحاط من كل الاتجاهات بإفريقيا الوسطى والكاميرون ونيجيريا والنيجر وليبيا والسودان، فاتساع الخلل الأمني فيها سيؤدي إلى تدخلات خارجية إقليمية.

قتل الرئيس إدريس ديبي واتجهت الأنظار إلى فرنسا بإثارة السؤال: باريس مع من وضد من؟

لم يعترض الرئيس مانويل ماكرون على حل البرلمان وتعطيل الدستور، وأيد انتقال السلطة إلى مجلس عسكري حاكم، يرأسه نجل إدريس ديبي، وهو ما أثار غرابة الرأي العام العالمي.

القوات الفرنسية حمت نظام إدريس ديبي من محاولات انقلابية تعددت، كان آخرها في فيفري 2019، حيث قصفت رتلا عسكريا كان يتجه نحو العاصمة نجامينا للإطاحة بالنظام الحاكم .

سياسة قصر الإليزيه في تشاد أو في دول إفريقيا المتناقضة مع “مبادئ الجمهورية” التي ترتقي إلى مستوى “المقدس” في الفكر الفرانكفوني المعاصر، ما يعنيها ضمان أمن قواعد فرنسا في تشاد أو في دول الساحل الإفريقي، والتحكم بحركات التمرد المنتشرة في كل مكان، والزج بها في مواجهة معارك خاسرة، مثل معركة “جبهة التناوب والوفاق” في استدراج الرئيس إدريس ديبي إلى حتفه في جبهات القتال.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!