-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تصافحوا‭.. ‬وتصالحوا‭.. ‬ثم‭ ‬ماذ‭ ‬؟

تصافحوا‭.. ‬وتصالحوا‭.. ‬ثم‭ ‬ماذ‭ ‬؟

تصارح أبناء فلسطين، بمختلف أطيافهم، ثم تصافحوا، وتصالحوا.. ثم ماذا؟ فجميل أن يذوب الثلج في عز الربيع، وتجد الابتسامة العريضة، طريقها إلى ثغور الفلسطينيين، ومن خلالهم إلى كل المخلصين من أبناء العروبة والإسلام. وجميل أن يستجيب جيل المقاومة الفلسطينية لنداءات‭ ‬الجماهير‭ ‬المسحوقة،‭ ‬بضرورة‭ ‬توحيد‭ ‬الصف،‭ ‬وإعادة‭ ‬الإجماع‭ ‬على‭ ‬رسم‭ ‬الهدف‭.‬

إنه ليؤلمنا أن نصل إلى نتيجة مرة، وهي أن ما بين فتح وحماس، وهما درعا القضية الفلسطينية، ودعامتا المقاومة فيها، من المشاكل العالقة، ومن الخلاف المضمر والمعلن، أكثر مما بين الفصائل الفلسطينية والعدو الإسرائيلي. ولا تسألوني، كيف صار الحلم حقيقة، وطويت ـ في الظاهر ـ صفحة الصيد والكيد، والدس والمس، وتصافح الجميع، وتصالحوا بعد أن تصارحوا، وتطارحوا؟. فهذه الثورات التغييرية، التي هزت ربوع الوطن العربي، وما أفرزته من قيادات جماهيرية نابضة بآلام وآمال الشعب، قد كان لها الدور الأكبر، في تأمين المخبر والمقر، وتسهيل‭ ‬المعبر‭ ‬والممر،‭ ‬وإيقاظ‭ ‬الوعي‭ ‬من‭ ‬سبات‭ ‬دعاة‭ ‬الفتنة‭ ‬والشر‭.‬
      لقد عمت الفرحة ـ إذن ـ كل ربوع فلسطين والوطن العربي، فارتفعت الأصوات بالتغاريد، والزغاريد، والأناشيد، وصلى الكثير، صلوات الشكر لله العزيز الحميد.. وذهبت نشوة الأفراح، وصحا الجميع من سكرة الأتراح.. وهم يتساءلون، وعمّ يتساءلون.. عما بعد المصارحة، والمصافحة،‭ ‬والمصالحة‭.. ‬ثم‭ ‬ماذا‭ ‬بعد‭ ‬ذلك؟
      إن القضية الفلسطينية، ومنذ عهد بلفور، ونكبة التقسيم الخارجي، لم تشهد ويلات ونكبا، أنكى مما عاشته في العشريتين الأخيرتين منذ عهد »السلطة الفلسطينية المزعومة«. فقد تحول التقسيم الجغرافي الخارجي، إلى تقسيم تاريخي داخلي. لقد أصبح ما كان يعرف بالاعتقال والاغتيال لأبناء فلسطين على أيدي اليهود الغاصبين، أصبح ينفذ بأيدي فلسطينيين ضد إخوانهم، تحت غطاء السلطة المحسوبة، وأداتها التنفيذية المندوبة، وحكومة غزة المنكوبة. انقلبت الأوضاع في فلسطيننا المحبوبة، فأجهضت انتفاضتها على أيدي أبنائها، وسفكت دماؤها، بتواطؤ من‭ ‬عملائها،‭ ‬وبددت‭ ‬طاقاتها‭ ‬بمباركة‭ ‬زعمائها‭.‬
فماذا‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذا؟‭ ‬هل‭ ‬نكتفي‭ ‬بالمصافحة‭ ‬لتحقيق‭ ‬المصالحة؟‭ ‬وكيف‭ ‬يستقيم‭ ‬هذا،‭ ‬وجراح‭ ‬فتح‭ ‬وحماس‭ ‬لم‭ ‬تندمل،‭ ‬وعملية‭ ‬المصارحة‭ ‬لم‭ ‬تكتمل،‭ ‬ورموز‭ ‬العمالة‭ ‬والتواطؤ‭ ‬مع‭ ‬العدو‭ ‬لم‭ ‬تهمش‭ ‬ولم‭ ‬تعتقل؟
      إن القضية الفلسطينية قد أثقلها تراكم تراب السنين الذي غطى عدل وجهها الجميل، وتكالب الطامعين الذي شوه إنسان شعبها الأصيل. والمطلوب اليوم هو التحلي بأكبر قدر من الشجاعة، ونكران الذات، لتشخيص الداء، واستئصال ما به من أورام خبيثة، توشك، إن هي لم تقتلع، أن‭ ‬تصيب‭ ‬الجسم‭ ‬كله‭. ‬ونعتقد‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬مظهر‭ ‬للشجاعة‭ ‬ونكران‭ ‬الذات‭ ‬يبدأ‭ ‬بالقيام‭ ‬بعملية‭ ‬النقد‭ ‬الذاتي،‭ ‬والاعتراف‭ ‬بالخطإ،‭ ‬أينما‭ ‬وجد،‭ ‬للإقلاع‭ ‬عنه‭ ‬وعدم‭ ‬العودة‭ ‬إليه‭.‬
      كما أن من متطلبات الوطنية، العودة إلى البندقية لإثبات الوجود، قبل التفاوض على تحديد الحدود، فالعدو لا يعترف إلا بالقوة، والمقاوم الأعزل من سلاحه، إنما هو رياضي يقوم بألعاب رياضة وفتوة، وسط مشاهدين فقدوا كل عزه وكل إباء، وكل معالم نبوة. يجب أن يدرك الفلسطينيون،‭ ‬بمختلف‭ ‬فصائلهم‭ ‬أن‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين‭ ‬تفوق‭ ‬في‭ ‬أبعادها‭ ‬معالم‭ ‬الجغرافيا‭ ‬الإقليمية،‭ ‬وملامح‭ ‬التاريخ‭ ‬العربية،‭ ‬لتمتد‭ ‬بجذورها‭ ‬وأغصانها،‭ ‬عبر‭ ‬الأعماق‭ ‬الحضارية‭ ‬الإسلامية‭ ‬والإنسانية‭.‬
ففلسطين بقدسية كنوزها، هي موطن الديانات الإنسانية والسماوية.. وهي بعدالة رموزها وشهدائها، أرض المقاومة، ضد الاحتلال، والظلم، في أسمى رفض، للاستسلام والتبعية. إننا لا نملك حق إملاء الحلول لإخواننا الفلسطينيين، فهم المكتوون بالجمر والمرابطون على الثغر، ولكننا‭ ‬نملك،‭ ‬بحق‭ ‬الأرومة،‭ ‬أن‭ ‬ننصح،‭ ‬وإن‭ ‬اختلفت‭ ‬ديارنا،‭ ‬وتباعدت‭ ‬أقطارنا،‭ ‬فكلنا‭ ‬في‭ ‬الهمّ‭ ‬فلسطينييون‭.‬
      يجب أن ينتبه إخواننا في فتح وحماس على الخصوص، بأنهم، بعملية المصالحة هذه، قد أدخلوا الماء في ركب العدو والدائرين في فلكه، فقد كانت مصالحتهم هي إحدى ثمرات التغيير الذي حدث في مصر، وفي تونس.. والبقية تأتي، فسيبذل العدو وحلفاؤه كل ما في وسعه لإجهاض مشروع‭ ‬التقارب،‭ ‬ولذلك‭ ‬فهو‭ ‬سيدس‭ ‬العقارب‭ ‬بين‭ ‬الأقارب‭ ‬ويعيدهم‭ ‬إلى‭
 ‬التحارب‭.‬
      وأيضا، فإن من الحنكة والحكمة، عدم الاستهانة بالقضايا المتراكمة، السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، ولا يمكن القيام بعملية التطهير، بعقول فاسدة، ومنهجية راكدة، وإدارة كاسدة. إن العهد الجديد، عهد ما بعد المصالحة يتطلب ضخ دم جديد، يشترط فيه أن يكون طاهرا من كل ألوان التلوث الحزبي، والإيديولوجي، وخاليا من كل آفات داء فقد المناعة الفلسطينية والحضارية. إن فلسطين تعج ـ والحمد لله ـ بالكفاءات في مختلف الاختصاصا، فليفسح لها المجال في تقلد المسؤوليات، وليشترط فيها أن لا تكون لها تجربة في تسيير‭ ‬الحسابات‭ ‬الحزبية‭ ‬الضيقة،‭ ‬لأن‭ ‬فاقد‭ ‬الشيء‭ ‬لا‭ ‬يعطيه‭.‬
‭      ‬لابد‭ ‬ـ‭ ‬إذن‭ ‬ـ‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬إخلاء،‭ ‬ثم‭ ‬ملء،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الفلاسفة،‭ ‬للبناء‭ ‬الذي‭ ‬سيصمد‭ ‬ضد‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬الزلازل‭ ‬المادية‭ ‬والمعنوية‭.‬
      إن المحك، الذي ستشخص على مشرحته مصداقية المصالحة، سيكون ولا شك عملية المقاومة، والموقف الصلب من العدو أثناء »التفاوض«، وصمام أمان الوحدة الوطنية، بعيدا عن الحسابات الحزبية الضيقة، والاحتكام إلى صندوق الاقتراع الحر، فما أفرزه الصندوق، قبلناه، وما أسقطه الصندوق أسقطناه. فالمرحلة دقيقة، ولا عذر لأي خطإ بعد الذي عاشته القضية، فإما سلطة حقيقية تعكس نبض الفلسطيني بجميع آلامه وآماله، بعيدا عن تلاعب الساسة في الداخل والخارج، تدعمها مقاومة شمولية لا تحتكرها فصيلة دون أخرى، أو انتماء دون آخر، وإما الفوضى التي ستقود‭ ‬إلى‭ ‬الانتحار‭ ‬الجماعي‭ ‬لا‭ ‬قدر‭ ‬الله‭.‬
      وإذن، فإن المصالحة التي تمت بين فتح وحماس قد كانت نتيجة وعي شمل الجميع، وهو ناتج عن استجابة لمتطلبات الجماهير الفلسطينية والعربية والإسلامية، وناتج عن رياح التغيير التي تهب على كامل أرجاء الوطن العربي والإسلامي. والمهم من كل هذا ليس جلسة المصارحة والمصافحة والمصالحة على ما تكتسيه من أهمية قصوى، ولكن الأهم من كل ذلك هو ما بعد هذه المصالحة، أي ما سينتج عنها على الصعيد العملي، من توحيد للسلطة، وإزالة الانقسام، والاتفاق على استئناف المقاومة، وتحديد الأهداف والثوابت التي لا يجوز المساس بها، تحت أي ظروف، وأيا‭ ‬كانت‭ ‬الضغوط‭.. ‬فالقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬محراب‭ ‬مقدس،‭ ‬فلا‭ ‬يدخله‭ ‬إلا‭ ‬المطهرون‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬رجس،‭ ‬ومن‭ ‬كل‭ ‬خيانة‭.‬
‭      ‬لقد‭ ‬دقت‭ ‬ساعة‭ ‬العمل‭ ‬الجماعي،‭ ‬وأذن‭ ‬بالانصرام‭ ‬زمن‭ ‬العمل‭ ‬الفردي،‭ ‬أو‭ ‬الحزبي،‭ ‬وإن‭ ‬التاريخ‭ ‬فاتح‭ ‬سجلاته،‭ ‬وإن‭ ‬الأيام‭ ‬فاتحة‭ ‬صفحاتها،‭ ‬فليسجل‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬جميل‭ ‬الذكر‭. 
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • bms touggourt

    الموضوع يعبر عن فكرة غفل عنها الكثير من العرب و المسلمين وحتى الفلسطنيون انفسهم
    ارى ان العد التنازلي للوجود الصهيوني على ارض فلسطين قد بدا