الرأي

تصريحٌ منفلت يا شيتور!

رشيد ولد بوسيافة
  • 1287
  • 8

لا أدري ما السبب الذي يجعل وزير التعليم العالي والبحث العلمي يطلق تصريحا غريبا يصف فيه أساتذة الجامعات الجزائرية بأنهم “صِفر”؟ ولماذا يخرج علينا الوزراء في كل مرة بتصريحات أقلّ ما يقال عنها إنها انفعالية وغير مدروسة، بالشكل الذي يُدخلنا في أزمات واحتجاجات نحن في غنى عنها؟

صحيح أنّ المستوى العام في الجامعة الجزائرية يقال فيه الكثير، والتّردي المتواصل لعمليات التّدريس والبحث العلمي لا أحد ينكره، لكن هذا لا يدفعنا إلى إنكار الجهود الفردية والجماعية التي يبذلها الأساتذة، سواء تعلق الأمر بالتطوير الذاتي أم تعلق بالمهام البيداغوجية الموكلة إليهم.

من حق وزير التعليم العالي، وهو في الأصل أستاذ في الجامعة الجزائرية، أن ينتقد الوضع القائم الذي هو جزءٌ منه، لكن ليس من حقه أن يهين الأستاذ الجامعي بتلك الطريقة، لأن ضعف المستوى العامّ في الجامعة ليس مسؤولية الأستاذ وحده، بل إن الأستاذ نفسه ضحية للسياسات العرجاء التي اعتُمدت خلال العقود الماضية، وعلى رأسها تمييع التعليم بالقرارات الشعبوية بإنشاء جامعة أو أكثر في كل مدينة.

ثمّ إنه لا يجوز تسويد الوضع إلى هذه الدرجة، فرغم كل الاختلالات ما زالت الجامعة الجزائرية تخرِّج كفاءاتٍ تُثبت جدارتها في العالم، سواء من خلال النشر العلمي؛ إذ يلجأ الكثير من الأساتذة والباحثين الجزائريين إلى نشر بحوثهم ومقالاتهم العلمية في الخارج، أم من خلال مواصلة الدِّراسة والعمل في الخارج؛ إذ يُظهر الجزائريون كفاءة عالية بالمؤسسات التي يلتحقون بها.

لذلك، فإنّ المطلوب هو مباشرة إصلاح عميق في الجامعة بعيدا عن التّصريحات الشّعبوية أو المستفزة، واعتماد خطاب هادئ يحترم الطّالب والأستاذ، وعلى الشّركاء الاجتماعيين أن يتجاوزا هذه الهفوة من قبل الوزير، الذي حرص على نفي كلامه السابق ببيان أصدره الثلاثاء، ويساهموا في بناء علاقة تعاون بعيدا عن الحساسيات المفرطة.

وإذا كان لا بدّ من تحرّكٍ من قبل النّقابات، فليكن من أجل تغيير الأوضاع القائمة إلى الأحسن، لا من أجل تصريح منفلت. أما الدّخول في عمل تعبوي وجمعيات طارئة ودعاوى قضائية بتهمة “القذف” وغيرها من ردود الفعل فهو سلوك سيؤدي إلى تأزيم الوضع في الجامعة.

وأول خطوة لتغيير وضع الجامعة، هي وضع سياسة تعليمية تركّز على النّوع لا العدد، وإعادة النظر في نظام “الألمدي”، واعتماد مقاييس صارمة في مرحلة ما بعد التدرُّج، ومواصلة مشروع تعزيز اللغة الإنجليزية، والاهتمام بالجانب المادي والاجتماعي للأستاذ، ثم بعد ذلك تأتي مرحلة التقييم والمحاسبة.

مقالات ذات صلة