الرأي

تظاهر القوة التي‮ ‬تصنع‮ “‬الحق‮” ‬

حبيب راشدين
  • 3101
  • 3

لن أضيف الكثير على ما قاله من سبقني‮ ‬إلى التعليق على احتجاج أعوان الأمن،‮ ‬سوى من جهة ما كشفه الحدث من كيل السلطة بمكيالين،‮ ‬حين‮ ‬يتعلق الأمر بما‮ ‬ينصص عليه الدستور من مساواة كاذبة بين المواطنين في‮ ‬التمتع بالحريات،‮ ‬ومنها حرية التعبير،‮ ‬والتظاهر،‮ ‬عند ظهور الحاجة لتعضيد المطالب بوسائل الضغط،‮ ‬ومنها‮: ‬الاحتجاج،‮ ‬والإضراب،‮ ‬والتجمهر،‮ ‬والتظاهر،‮ ‬أي‮ ‬إلى القوة التي‮ ‬تصنع الحق‮. ‬

مبدئيا،‮ ‬لا اعتراض على من تدفعه الحاجة،‮ ‬وانسداد سبل الحوار في‮ ‬وجهه،‮ ‬أن‮ ‬يلجأ إلى الاحتجاج كما فعل أعوان الأمن،‮ ‬وقد تكون جميع مطالبهم مشروعة،‮ ‬وحتى لو لم تكن كذلك في‮ ‬بعض بنودها،‮ ‬فإن‮ “‬موازين القوة‮” ‬التي‮ ‬يصنعها الاحتجاج تحول الحرام إلى حلال،‮ ‬ويصير الممنوع مباحا،‮ ‬والمستحيل ممكنا،‮ ‬وهو ما حصل‮: ‬ساعات قليلة من الاحتجاج،‮ ‬وتجمهر‮ ‬غير مسبوق لنفر من أعوان الأمن بالزى الرسمي‮ ‬أمام الرئاسة،‮ ‬أجبر رئيس الحكومة على استقبال ممثليهم،‮ ‬والتكفل فورا بمطالبهم،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك مطلب تشكيل نقابة داخل مؤسسة أمنية‮. ‬

الحدث لم‮ ‬يكن بدعة،‮ ‬فقد سبق إليه أعوان الحرس البلدي،‮ ‬ليطال مؤسسات أمنية،‮ ‬وقطاعات حساسة من موظفي‮ ‬الدولة،‮ ‬لها ذات القدرة على التأثير في‮ ‬قرارات الحكومة،‮ ‬وليّ‮ ‬ذراعها،‮ ‬وحملها على الإذعان،‮ ‬كما قد‮ ‬يمنح الحدث حجة معقولة لكثير من الفعاليات السياسية والنقابية للدفاع عن حق التجمهر والتظاهر في‮ ‬العاصمة،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك أمام قصر الرئاسة،‮ ‬دون أن‮ ‬يوجه إليهم أعوان الأمن بالهراوات،‮ ‬وخراطيم المياه،‮ ‬والغازات المسيلة للدموع،‮ ‬والاعتقال‮.‬

ولعله من المفارقات العجيبة أن‮ “‬تحريم التظاهر‮” ‬في‮ ‬العاصمة،‮ ‬وقد تحول إلى قاعدة‮ ‬غير مكتوبة،‮ ‬قد أسقط على‮ ‬يد الجهة التي‮ ‬كان‮ ‬يعول عليها لتعضيده بالقوة الصلبة،‮ ‬ولم نسمع كلمة شجب واحدة من رئيس الحكومة لخروج‮ “‬حماة القانون‮” ‬عن النص،‮ ‬وهدمهم للسد الذي‮ ‬كان‮ ‬يمنع‮ “‬يأجوج ومأجوج‮” ‬من التدفق نحو المرادية‮.‬‭ ‬

لكن دعونا نشر إلى أن الدولة لم تفقد‮ “‬هيبتها‮” ‬بالكامل،‮ ‬فقد وازنت بين المهم والأهم،‮ ‬ورأت أن الأهم هو صرف النظر عن مطلب ترحيل المدير العام للأمن الوطني،‮ ‬مقابل ترضية المحتجين بعلاوات مالية،‮ ‬ما‮ ‬يزال سعر البترول‮ ‬يغطيها ولو إلى حين،‮ ‬ولن‮ ‬يشكل مطلب تكوين نقابة تنازلا كبيرا،‮ ‬ما دامت الدولة قد اكتسبت خبرة كبيرة في‮ ‬اختراق النقابات،‮ ‬وإفسادها بالرشاوى والامتيازات،‮ ‬وتحويلها إلى أدوات لتسيير‮ ”‬القطيع‮” ‬كما هو حال نقابة سيدي‮ ‬سعيد‮.‬

لهذا الاحتجاج فضيلة لا تنكر،‮ ‬فقد منح الغلابة في‮ ‬هذا البلد درسا لن‮ ‬يجدوه في‮ ‬كتب السياسة والاجتماع،‮ ‬وهو‮ “‬أن القانون إنما وجد ليطبق فقط على من ليس له القوة ـ وليس العزيمة ـ على صناعة الحق‮”‬،‮ ‬ولأن أعوان الأمن ـ وهم‮ ‬يؤانسون العلية على مدار الساعة ـ لم‮ ‬يفتهم كيف أنها لا تتردد في‮ ‬القفز على محرمات القانون حين‮ ‬يتعارض القانون مع مصالحها،‮ ‬وأن العلية لا تحتاج إلى تشكيل نقابة،‮ ‬أو تنظيم احتجاج أو تظاهر لتحسين الأجور والمعاشات،‮ ‬وهي‮ ‬فوق ذلك محمية من‮ “‬شغب العوام‮” ‬بعصي‮ ‬أعوان الأمن،‮ ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬ينبغي‮ ‬لعاقل من العلية أن‮ ‬يرد لهم طلب‮.‬

مقالات ذات صلة