-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تعلَّم الكذب

تعلَّم الكذب

سمعتُ في إحدى القنوات أن رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، ذا الشعر المنفوش، اعترف بما ارتكبه من خطأ، إذ خرق الحجر الصحي، وأقام احتفالا بمناسبة عيد ميلاده، ولذلك فقد اعتذر للشعب البريطاني عن الخطإ، وعن الكذب. وقد تابع العالمُ عبر بعض القنوات كيف عصر نوابُ الشعب البريطاني البصل في عيني جونسون، وكيف كان يذِلُّ ويَخزَى، وقد يستقيل كما طالب بعض النواب.

قرأتُ منذ أمة أن شابّا بريطانيّا بُعيد الحرب العالمية الثانية كان شديد الإعجاب برئيس وزراء بريطانيا آنذاك ونستون تشرشل، الذي كان ملء سمع العالم وبصره، ومما كان متميزا به بسطة جسمه، وسيجارُه، وعلامة النصر(v) التي قيل إنه أوّل من رفعها.. إضافة إلى أنه من أمكر الماكرين، وأن “شيخ الجماعة” لا يصلح تلميذا عنده.

سنحت إحدى الفرص لذلك الشاب أن يلتقي تشرشل، فتقدّم منه مستنصحا له عن أمثل سبيل يسلكها ليصير سياسيا ماهرا مثله.

تبسّم العجوزُ، وشجّع الشابَّ لتحقيق ما يودُّ من أمانيه، ثم قال له: “عليك أن تتعلم فنون الكذب”.
ارتسمت علامات الاستغراب والاندهاش على محيّا ذلك الشاب… ثم واصل تشرشل كلامه قائلا: “ولكن قبل أن تكذب تذكر أنك في بريطانيا، حيث يوجد برلمانٌ حرٌّ، وعدالة حرة، وصحافة حرة، وكل هؤلاء أعينٌ راصدة، وآذانٌ سماعة.. فإن نجوتَ فأنت أمهر سياسي”.. وبعدها بفترة قصيرة أسقِط تشرشل في الانتخابات، ولم يشفع له ما أنجز لبريطانيا في تلك الحرب.

استعرضتُ قائمة أسماء الرؤساء والملوك والأمراء العرب منذ أربعينيات القرن العشرين فما وجدت لأكثرهم من فضل.. وإذا أكثرهم يملك “فابريكة للكذب”، وكل كذبة أكبر من أختها، وكل كذبة تختلف عن سابقاتها لونا، وشكلا، ورائحة… حتى قال الشاعر الفلسطيني سميح القاسم: إن احتياطي الكذب عند حكامنا أضعاف احتياطي النفط والغاز في أوطاننا.

العجيب أن كثيرا من هؤلاء الحكام يتمظهرون بمظاهر التديُّن المغشوش، زيادة في التلبيس على الشعوب، وقد أنساهم قرناؤُهم من شياطين الإنس وبطانة السوء أن الكذب ليس خلقا ذميما فقط، ولكنه يُخرج صاحبَه من دائرة الإيمان، وآية ذلك أن أمَّنا عائشة -رضي اللهُ عنها- سألت رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أيكون المؤمن بخيلا وجبانا؟ فقال: نعم. ثم سألته: أيكون المؤمن كاذبا؟ فقال: لا، ثم تلا قوله تعالى: “إنما يفتري الكذبَ الذين لا يؤمنون…” وأما ما سمّاه تشرشل برلمانا حرّا، وقضاءً حرّا، وإعلاما حرّا فهو عند حكامنا من رابعُ الأساطير الثلاثة التي قال عنها أوائلُنا:
ثلاثة ليس لها وجود الغولُ، والعنقاءُ، والخِلُّ الودود.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • الجزائر جزائرية

    المشكل في الثقافة التي رضعها هؤلاء الحكام ...

  • يوغرطة

    حكام العرب الفاسدون المفسدون ملوكا وامراء وساطين ورؤساء يجب ان يمروا عبر محكمة شعوبهم ليشنقوا بعدها عاليا وامام البشرية جمعاء ليكونوا عبرة لمن اعتبر .