الرأي

تغنانت الجزائر!

جمال لعلامي
  • 5884
  • 13

من يعتقد بأن الوضع غير معقد في منطقة الساحل، فهو واهم، ومن يعتقد بأن الحلّ معلـّب وجاهز ينتظر التطبيق، فهو مخطئ، لكن من يعتقد بأن الجزائر تبيع وتشتري مواقفها فهو خطـّاء، وخير الخطائين التوابون.

إن ما يجري من تطورات متسارعة بمنطقة الساحل، أو بظهر الجزائر، ليس بالأمر الهيّن، ولا بالمسألة المسطحة، التي يُمكن التعاطي معها ببرودة أعصاب، أو بمنطق “تخطي راسي”، والآن بدأت تتضح أهداف ما سمي بـ”الربيع العربي” الذي هبّ أيضا على ليبيا، فحوّلها إلى رماد، قبل أن ينقل “المعركة” إلى مالي في سياق مخطط توسيع دائرة النار والخراب!

الجزائر كانت ومازالت وستبقى مستهدفة، في نظر مخضرمين يحفظون عن ظهر قلب، مؤامرات وخطط النظام العالمي القديم والجديد، ولذلك، لا ينبغي التهوين من المخاطر القادمة من الجنوب، فالذي جرى ومازال يجري في ليبيا ومالي، ليس سوى الشجرة التي تغطي الغابة، أو الذائب من جبل الجليد!

ليس من السهل، أن تحمي ظهرا بطول يتجاوز الألفي كيلومتر، وسط الصحراء والزوابع الرملية، فالوضع غير المستقرّ وغير الآمن بليبيا ومالي، استدعى من الجزائر مضاعفة حيطتها وحذرها، وهذا يتطلب دعما ماليا ولوجيستيا استثنائيا، ربما لم يكن في الحسبان!

من الطبيعي أن تـُستهدف الجزائر في أرضها ووحدتها وأمنها واستقرارها، فثباتها على مواقفها منذ عشرات السنين، فيما يخصّ أمهات القضايا المصيرية، جعلها دائما في قلب الأحداث و”الأهداف” التي تركز عليها مخابر صنع القرار في العالم!

نعم، إن استمرارية الموقف الجزائري مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، وضد التطبيع مع إسرائيل، ومع تصفية الاستعمار حيثما وجد، ومع دعم حركات التحرر في العالم، واحترام سيادة الدول ووحدتها الترابية، وضدّ التدخل العسكري في أيّ شبر من الأراضي الحرّة والسيّدة للدول.. هي أحد أهم المبررات التي تجعل الجزائر دائما في عين الإعصار!

إن المواقف الجزائرية “ما تحول ما تزول”، ولذلك، يغضب هؤلاء وأولئك، ويضغطون ويبتزون ويستفزون ويُناورون ويحاولون ليّ ذراع الجزائر، تارة بالترغيب، وتارة بالترهيب، وأحيانا بالتحبيب، لكن الجزائر هي الجزائر، والجزائري دائما “راسو خشين”، وعندما يجدّ الجدّ فإن “التغنانت” لن تفارقه وترافقه حيثما حلّ وارتحل!

لا ينبغي ضرب أسداس في أخماس، حتى يتضح الخيط الأبيض من الأسود، فيما جرى ويجري في مالي، ولعلّ محاولات عسكرة منطقة الساحل وأفغنتها، لم تعد خافية أو مستترة أو مبنية للمجهول، وليس من البراءة أن تحتشد فرنسا وأمريكا، وتتجند روسيا والصين، في إطار “حرب عالمية” جديدة، قد تكون باردة وساخنة في آن واحد!

من حقّ الجزائر وواجبها، أن تحمي حدودها وتؤمن ترابها وتحصّن أمنها واستقرارها، ومن حقها أيضا أن تبحث عن مصلحتها في “اللعبة الدولية” التي لا وجود فيها للمتهاون والأحمق، حتى لا تكون طرية فتمضغ ولا يابسة فتكسر، وقبل كل هذا، فلا أحد من الأجانب يُمكنه أن يعوّض الجزائر أو ينوب عنها ليحدّد مصيرها أو مصلحتها!

ستبقى الجزائر واقفة بمواقفها الخالدة ومبادئها التاريخية الثابتة، وحتى إن قدّر الله، وحصلت طوارئ أو متغيرات أو مراجعات، فإنها ستكون في الشكل وليس في المضمون، فمن حقّ الجزائر كذلك أن لا ترمي بنفسها إلى التهلكة.

مقالات ذات صلة