-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تفاصيل جديدة عن التحضير للثورة في الأوراس

مختار هواري
  • 884
  • 0
تفاصيل جديدة عن التحضير للثورة في الأوراس

شكّلت المرحلة التي سبقت اندلاع الثورة التحريرية إحدى المراحل التي تميزت بنوع من الضبابية وتضارب في الرؤى، خاصة مع غياب الوثائق الأرشيفية، والاعتماد فقط على الرواية الشفوية التي لاشك في أنها مهمة، ولكنها مع مرور الزمن تصبح الذاكرة الإنسانية تلاحقها آفة النسيان، ولكن مع ظهور الأرشيف بدأت أسرار هذه المرحلة تتجلى خاصة التي تؤكد الروايات الشفوية، وسأقدم وضعية الأوراس من خلال تقرير مأخوذ من أرشيف ما وراء البحار أكس – أون بروفانس.

يشير هذا التقرير إلى التحولات التي حدثت في حزب حركة الانتصار وكيف أصبحت الأوراس محايدة؟ ثم كيف اتجهت إلى العمل الثوري، فحسب التقرير أن دائرة باتنة أخذت وضعية الحياد خلال اجتماع عُقد في 4 أفريل 1954 بدار مسعود بلعقون مسؤول قسمة أريس تحت رئاسة شيحاني بشير مسؤول الدائرة وبتشريف لمصطفى بن بولعيد عضو اللجنة المركزية لحركة الانتصار، واتفقوا مع رفاقهم خلاله على اتجاه الحياد في الصراع القائم بالحزب، وأعلموا لحول الحسين ومزغنة بذلك، ولم يكتفوا بهذا بل أظهروه من خلال العدد الأول من جريدة “Patriote Algérien” وقد كان من المسؤولين المساعدين يونس بوشكيوة مسؤول قسمة باتنة ولغرور عباس مسؤول قسمة خنشلة وعاجل عجول النوردي مسؤول قسمة أريس وغمراسي الطاهر قسمة فم الطوب بن زيان محمد مسؤول قسمة بريكة، وقد بدا إلى المسامع كلام حول اللجنة الثورية للوحدة والعمل في شهر أوت 1954 ولكن لم يلق الصدى في أوساط الشعب.

بقي مصطفى بن بولعيد في الظل وشيحاني واصل فكرة الحياد رغم أنه واجه بعض الانشقاقات خاصة في قسمة فم الطوب وآريس، ففي 1 جويلية 1954 استقال بوشكيوة يونس من منصبه كمسؤول للقسمة. فعوضه شيحاني بشير ببوشمال محمد الرشيد، وقام بتعيين بلعقون مسعود لمرافقته لحضور المؤتمر الوطني للحزب الذي سينعقد بالعاصمة في جويلية 1954 وانعقد في المحل الواقع بمنحدر الصيادين، كما رافقه أيضا زيان محمد. وخلال هذا المؤتمر التزم شيحاني بمبدأ الحياد رغم التصادم الذي حدث في هذا المؤتمر، وكان شيحاني لا يريد حضور مناضلي الأوراس من المركزيين والمصاليين، غير أنه تفاجأ بمشاركة بوشكيوة يونس وخالد لزهاري وبكوش لعروسي المسؤول السابق لدائرة عنابة وقد كان وراء دعوتهم حشاني براهيم المدعو سي صالح الذي كان مركزيا وعمل طويلا بخنشلة وباتنة وفي هذه الفترة قاطع منطقة الأوراس ملتحقا بقسنطينة، كما حضر من الأوراس الاتجاه المصالي المتمثل في علي النمر من باتنة وعلاق عبد القادر من بسكرة.

مع نهاية أوت وبداية سبتمبر أقام كل من شيحاني ومصطفى بن بولعيد تظاهرات أعلنا فيها عدم السماح بدخول أتباع مصالي ولحول من المركزيين للأوراس، وأعلن عن ميلاد حزب جديد سوقه باسم (حزب الثورة) وأصبح المناضلون في المدن يُضاعفون الاتصالات الفردية بين أنصار اللجنة الثورية للوحدة والعمل ويتوحدون في ما بينهم.

قام كل من مصطفى بن بولعيد وشيحاني بشير من تنظيم والإعداد للثورة وقد تم تحضير جيش الثورة في الأوراس خلال شهر جويلية وتشكلت الفرق في الدواوير، فمصطفى بن بولعيد كان مسؤولا عن قسمة أريس وفم الطوب والذي صرح أن حركة الانتصار عوضت بحزب الثورة وأخبر المناضلين أن أوامر جاءت من القاهرة من لدن جماعة المغرب العربي وسوف تكون بإشراف مستقبلي لجزائريين سيقدمون من مصر. وربما لزرع الحماس والطمأنينة في نفوس المناضلين.

عمل شيحاني في مدن الأوراس بأكثر فاعلية وكان يجند باسم  (C.R.U.A)ففي أوت ذهب لخنشلة مع بن بولعيد وعينا عباس لغرور مسؤولا عن التنظيم في خنشلة، وبباتنة أشرك شيحاني بشير في المجموعة المنظمة للعمل الثوري كل من بوشمال محمد الرشيد وعبيدي الحاج لخضر ومسعودي محمد، وحرسوس بوحة مسؤول خلية، وبلعقون مسعود مسؤول قسمة والعايب عمر الصبايحي، لقد تغيرت الثقافة السياسة خلال هذه الفترة في الأوراس، وأصبحت تنحى إلى أخذ المبادرة نحو الفعل الثوري وكانوا في سباق مع الزمن قبل أن ينفجر الحزب وكان توجههم هو الوحدة والتضحية مع المناضلين المؤمنين بالفعل الثوري.

جند مصطفى بن بولعيد في بسكرة خراز الطيب وكلف شيحاني بوشمال بعدة أعمال منها: إحضار خارطة من بن الذيب محمد أصيل القنطرة، والقيام بتخزين الأدوية وجمع الأموال لشراء الألبسة العسكرية وإعداد التقارير المفصلة حول الوضعية السياسية وإعداد مخططات الثكنات العسكرية وأسماء رجال الشرطة وغيرها.

عمل مصطفى بن بولعيد على توسيع العمل باتجاه سريانة حيث كلف بوزيد أعمر وسعيدون محمد بتحضير المؤن والتجهيزات والمتعاونيين بمستاوة وكلف عبد الله مزيطي بدوار أولاد عمر بن فاضل بتاريخ 15 سبتمبر 1954 وعين ببريكة بن زيان محمد وبن إدريس صالح وقد أبديا موافقتهما للانضمام للعمل الثوري مع بداية أكتوبر وتسلموا الأسلحة من الأوراس.

ظل مصطفى بن بولعيد يحاول أن يجمع فرقاء الحزب على الأقل على المستوى الداخلي وكان بمثابة القوة الجامعة فحسب الاستخبارات الفرنسية فإنه في 28 أكتوبر وقع بقسنطينة أو بإحدى جهاتها اجتماعا سريا ضم ممثلي الاتجاهات الثلاث لحزب الشعب حضره حسبهم 15 شخصا بينهم 3 تونسيين و2 ليبيين وقد صارحهم بن بولعيد قائلا: “إننا قررنا بداية الثورة هذه الأيام المقبلة، لقد أعددنا تنظيمنا وسنفجر الثورة في قادم الأيام “غير أن رجال لحول قالوا بضرورة الانتظار سنة ونصف من أجل تحضير الشعب، ولم يقبل بن بولعيد ورفاقه بهذا، وقال بن بولعيد لأنصار مصالي: “واصلوا العمل لمدة سنة ونصف لإعداد الشعب ونحن من جانبنا سنرتمي للعمل الثوري، وسوف نحافظ على أوراقنا حتى تحضروا أنفسكم وسوف نحضر لكم الجو الملائم من العمليات الثورية في كامل الجزائر”.

هكذا كان الأوراس وكان رجالها أقرب إلى إحساس الشعب وأكثر فهما للواقع فكان العمل الثوري أمر لا نقاش فيه، حتى وإن كانت الوسائل القليلة، وكان رجال الأوراس مع إخوانهم في ربوع الوطن والذين أمنوا بنفس توجههم حجة على كل المترددين والواقعيين من السياسيين، الذي تخلفوا عن شرف غرة نوفمبر ولم يروا بنفس نور رجال نوفمبر فقد جاء في الأثر: “اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله”. لقد صدقت عزائمهم والتحق بهم المترددون من المركزيين وبعض المصاليين فرادى بقطار الثورة وهو يسير ومنهم من أصبح قائد للقاطرة الأمامية، ولم يزاحمهم رجال نوفمبر لأن هدفهم هو تحرر الجزائر والذي تحقق بعون الله وعزم الرجال.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!