الرأي

تقنين النصب والاحتيال!

جمال لعلامي
  • 735
  • 4

الترخيص ببيع شقق “السوسيال”، هو إجراء غريب وعجيب، فهل يعقل مثلما تساءل الكثير من المتسائلين، أن يتم التنازل ببيع سكنات مُنحت للمستفيدين “باطل”؟ وأليس هذا تقنين للبزنسة والسمسرة بأملاك “البايلك”؟ ولماذا السماح ببيعها، إذا كان قاطنوها هم من المفروض أنهم مواطنون “مزلوطون” يتقاضون أقلّ من 24 ألف دينار، أو معدومون دون راتب شهري؟
العملية تدفع إلى القول إن في الأمر إنّ وأخواتها، فربما هناك دخلاء وسفهاء استفادوا خارج القانون من هذه السكنات، وهم بالتالي لا يحتاجونها، لكنهم يحتاجون القيمة المالية التي سيبيعون بها هذه الشقق التي تحصّلوا عليها بحفنة من الدينارات فقط!
كان الأولى بالجهات المعنية، أن تمنع البيع منعا باتا، وتـُرغم القاطنين على البقاء فيها إلى أن يتغمّد الله روحهم الطاهرة برحمته الواسعة، وإذا فتح الله عليهم، يُعيدونها إلى أملاك الدولة، فتـُمنح مجددا لمستحقيها!
ترخيص عمليات البيع والشراء، هو تقنين للفساد في مجال الإسكان، ولكم أن تتصوّروا حجم الأزمة التي ستتفاقم بمثل هذه التصرّفات، فطالب السكن، يصبح مهتما بالحصول عليه من أجل بيعه، وليس للإقامة به، وهذا وحده يكفي لمضاعفة عدد المحتالين، وتعميق محنة السكن، وإشعال النار في بورصة العقار، واختلاط المستحقين الفعليين بالنصّابين!
هل يُعقل أن تمنح الدولة السكن مجانا، في صيغة الاجتماعي، أو بمبلغ 280 مليون سنتيم، بالنسبة للتساهمي، وبالتقسيط في برنامج “عدل”، ليتمّ بعدها بيعه في بعض الولايات بمليار وأكثر، وفي المناطق “النائية” بما لا يقلّ عن 500 مليون، لتستمرّ بعدها مأساة آلاف طالبي “قبر الدنيا” ممّن ينتظرون منذ عشرات السنين، ومنهم من شاخ، ومنهم من أصبح يقتسم فراشه مع أحفاده؟
طبعا، هذا النصب والاحتيال والفساد، لا يمكن تعميمه على كلّ المستفيدين من مختلف الصيّغ السكنية، لكن الأكيد أن الثغرات القانونية التي تقرّها السلطات العمومية، تسيل لعاب هؤلاء وأولئك، وتثير أكثر شهية “باندية” يتلاعبون بالسكنات العمومية ويُدخلونها في حظيرتهم، ثمّ يرفعون أسعارها، ويمدّدون أزمة سكنية لا تـُريد أن تنتهي منذ الاستقلال، رغم الملايين من الوحدات المنجزة هنا وهناك بطريقة تثير التعجّب والاستعجاب!
يستحيل أن تنجح الرقابة القبلية والبعدية، أو البطاقية الوطنية، أو حتى “التبياع”، في تقليم أظافر المتلاعبين والمتحايلين، طالما هناك “تواطؤ” في مكان ما، مقابل عمولة أو مصلحة أو “تشيبا”، وكاذب هو من يكذب هذا الواقع، لأن الميدان يفضح كلّ شيء، ويعكس استفادات متكرّرة لأناس لا يقطنون أصلا شققهم.. إنهم يملكونها وينتظرون الفرصة السانحة لكرائها أو بيعها، بعدما تحصلوا عليها بالتنازل أو بالدينار الرمزي!

مقالات ذات صلة