-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
أسعد فضة في حوار لـ "الشروق"

تكريم الجزائر لي زادني فخرا باختياراتي الفنية

الشروق أونلاين
  • 1370
  • 0
تكريم الجزائر لي زادني فخرا باختياراتي الفنية
الفنان أسعد فضة

الممثل السوري القدير، أسعد فضة، واحد من عمالقة الفن العربي، نجح على مدار 40 عاما في أداء رسالته كفنان، ومن ناحية الأداء برع في تقمص الدور المنوط للفنان العربي، فناقش قضايا أمته بجرأة واحترافية محسوبتين، وهاجم الأعداء بشجاعة وبسالة نادرتين، ورغم كونه لا يحب الظهور إعلاميا من خلال الحوارات وما شابه، إلا أنه لبّى نداء الجمهور الجزائري عبر “الشروق”.

* تاريخك حافل بالجوائز والتكريمات، لكن ماذا يمثل لك تكريمك في الجزائر الصيف الماضي؟

 تكريم الجزائر لي جعلني أزداد فخرا باختياراتي الفنية عبر هذا المشوار الطويل، لأنه جاء من بلد ثوري ذي تاريخ وحضارة، وشعب أبِي يقدّر الفن الحقيقي، فمثل هؤلاء الناس يبحث عنهم الفنان في كل البقاع العربية، ويتلهف للاقتراب منهم، فهم أمل الأمة ومستقبلها، لذلك أشعر مثل بقية الفنانين الأوفياء لرسالتهم أن التكريم الحقيقي هو ذلك المقدم من الجمهور الواعي والناضج.

 * بعد عودتك من الجزائر لدمشق في شهر جوان الماضي، تداولت الأوساط الفنية والإعلامية السورية نبأ قيامك بدور الأمير عبد القادر في فيلم ضخم، ما صحة هذا الكلام؟

 هذا العمل يأتي تحت رعاية وزيرة الثقافة الجزائرية، خليدة تومي، صحيح حدثت في البداية بعض المشاكل في كتابة السيناريو لكن تم حلها وإزالتها، وتم عرض دور الأمير عليّ أثناء تواجدي في الجزائر، عندما كرّمني المسرح الوطني الجزائري، فقد تحدثت لي شخصيات جزائرية عن هذا الموضوع، وكنت في سعادة لا توصف، لأن الأمير بتاريخه الجهادي العظيم في الجزائر وسوريا يستحق أن تقدم سيرته عبر أكثر من فيلم ومسلسل، وأنا شخصيا أعتبر هذا الدور من أعظم الأدوار التي يؤديها أي فنان.

 * ولماذا هذا الدور تحديدا؟

كما أشرت، فالأمير كان نعم المجاهد ونعم العالم، حمل البندقية في يد، والقلم في اليد الأخرى، جاهد المستعمرين وقاتلهم بالسلاح، وحارب الجهل والتخلف والفتنة بالعلم، وما أشبه اليوم بالبارحة، فها هو الاستعمار يجثم على صدورنا، وها هو الجهل والتعصب يفتك بنا، وأضف إليهما نار الفتنة التي توقدها أطراف خارجية وداخلية بين صفوفنا. في عصر الأمير، خرج الرجل بشجاعة ليصد الغزو الفرنسي للجزائر، وعندما تكالب عليه الأعداء والطامعين في عرض الدنيا لم يستسلم وظل يجاهد في منفاه بسوريا من خلال الزوايا الدينية والعلمية، حتى تخرج على يديه جيل متديّن متعلم حمل شعلة التنوير والمقاومة، وعندما نشبت الفتنة الطائفية في الشام، أخرج الله لها الأمير عبد القدر ليطفئها بعلمه وحكمته وهيبته، كل تلك الإنجازات لا تزال محفورة في عقول وقلوب أهل الشام، وكم من عربي يتمنى اليوم أن يأتي رجل يسير على درب الأمير، ينقذ الأمة من الاحتلال ويحميها من الفتنة التي تتهددها، ويضع منهاجا علميا ودينيا صحيحا بعيدا عن التعصب والتكفير والتضليل.

  * الأماني كثيرة.. لكن الواقع لا يبشّر بإزالة تلك الكوارث من خلال مسلسل أو فيلم؟

لو قدر لهذا الفكر الانهزامي أن يعشش في عقولنا، فقل على الأمة السلام، إن اليأس أشد تدميرا من العدو نفسه، وللأسف تمكن أعداء الأمة من زرع الهزيمة في قلوب شبابها، فاستسلموا للأمر الواقع وارتضوا الذلة والمهانة، هذه الأشياء هي التي تغضب رجلا عجوزا مثلي لم يقنط أبدا من رحمة الله ولم يعترف يوما بالتخاذل، فما البال عندما أجد الشباب الذين نعوّل عليهم ونضع بين أيديهم مستقبل الأمة يفكرون بتلك الطريقة المخذية. 

* ماذا يمكن أن يحقق الفن لأمة ترزح في الجهل والتعصب والاحتلال.. السؤال منطقي ويحتاج لإجابة من فنان قضى 40 عاما يجاهد بفنّه.. لكن ما النتيجة؟

حقق الكثير.. ولولاه لعصفت بنا ثقافة التدمير والتغريب التي تمارس ضد أمتنا منذ عقود، فكثير من آلات الإعلام الصهيونية المنتشرة عبر العالم تنفق مليارات الدولارات لتوجه رسائلها المسمومة لشبابنا وفتياتنا، برامج وخطط ودراسات تستهدف النيل من عقولنا، حقا نجحت كثير من تلك الخطط، لكن ثمة إعلام عربي مضاد ومن ضمنه الدراما السورية، نجح هو الآخر في حماية النشء من الانزلاق إلى الهاوية، ويوما بعد يوم ينجح في تشكيل وعي ناضج قادر على فرز الصالح من الطالح، وعموما فإن حروب الفكر هي الأهم والأشرس في صراعنا مع القوى الاستعمارية والمهيمنة، لذلك يجب على كل عربي ألا يتقاعس عن الجهاد الفكري وألا يستسلم لإرادة الأعداء، بينما يحمل الإعلاميون والفنانون العبء الأكبر في هذه المعركة لأنهم نخبة الأمة والأقدر على التأثير فيها وقيادتها.

 * يقال إن الدراما السورية تسير على خطى النظام السوري، ويشاع أن الأعمال الفنية وبالأخص التاريخية والفانتازيا جاءت لترضي نهج الممانعة والمقاومة المتبع سياسيا في سورية، ما تعليقك؟

الفنان السوري لا يتلقى تعليمات من أي جهة، ولا توجد أي صورة من صور الوصاية على الفن السوري، فنحن نتمتع بحرية فكرية في اختياراتنا وإبداعاتنا الفنية، وعندما قررت الدراما السورية حمل عبء المقاومة من خلال أعمال هادفة تعيد النخوة العربية إلى سابق عهدها، وتعلن العصيان على الهيمنة والاستعمار، فهي بذلك تؤدي رسالتها المنوطة بها بأمانة، ومعظم الفنانين السوريين يتحلون بروح الشجاعة والأمانة، ويدركون جيدا ما المطلوب منهم كفنانين، ولا أنكر أن هناك كثيرا من الفنانين العرب يتمتعون بنفس الروح، لكن الشيء الفاصل دائما في تلك المعادلة هو ثقافة وإيمان الفنان، فهناك بعض المتطفلين وأنصاف الفنانين الذين لا يهمهم سوى المال والشهرة وأولئك غير قادرين على استيعاب الرسالة، أو تحمل واجباتهم، ومن الأشياء التي لا يمكن إنكارها أن الدولة السورية تدعم الفن والحركة الثقافية، وذلك لإيمانها الكامل بأهمية الفن في إثراء الحياة الثقافية وإنعاش الساحة الجماهيرية بما هو مفيد وهادف.

 * هذا الإنفاق والاهتمام.. ألا يرافقه تدخل سياسي في سير العمل؟

الدولة تشجع الفن الجيد وتدعم الإبداع وظهور مواهب متنوعة في الكتابة والتمثيل والإخراج، فضلا عن السخاء في الإنتاج.. ففي سورية يتم الإنفاق على العمل الفني بشكل جيد حتى تظهر الصورة معبّرة وراقية.. والدليل على ذلك المسلسلات التاريخية التي تحتاج إلى تكاليف إنتاجية عالية ورغم ذلك أصبحت سورية أولى الدول المتميزة بالدراما التاريخية، وطالما كان العمل هادفا وليس به إسفاف أو تضليل أو مساس بالذوق والأخلاق العامة لا يحدث تدخل الرقيب، هذا الأخير الذي لا يتدخل مقصه إلا على المشاهد الخارجة والمواقف الغريبة عن المجتمع السوري المتدين. 

* تقول دائما إنك من أسّس المسرح التجريبي السوري، وليس فواز الساجر وسعد الله ونوس، هل هذا صحيح؟

أنا صححت هذه المعلومة في أكثر من لقاء تلفزيوني، فأنا بالفعل من أسس المسرح التجريبي من خلال مسرحية “يوميات مجنون”، حينما جلبت هذا النص من روسيا وأعطيته إلى الأستاذ “سعيد أحمد” الذي كان مترجم السيد الرئيس حينذاك، ولم يأخذ قرشاً واحدا عليه، وعملت عليه سنة كاملة بعد ذلك، ثم طلبت من “فواز الساجر” إخراجه ويومها كان المسرح التجريبي رمى حجرا في الركود المسرحي، ولذلك نقول إن من يعمل في المسرح يجب أن يكون متفرغا وليس أن يعمل وقت الفراغ، وعندما أحسست بأنني لن أكون متفرغا غادرت بعد ثلاثين سنة من التفرغ

 * أسست المعهد العالي للفنون المسرحية ورغم ذلك لا تُدرّس فيه.. لماذا؟

هذا المعهد يعني لي الكثير، ولا أحد يعرف معاناتي في تأسيسه، ولولا هذا المعهد لن يكون هناك حركة فنية مسرحية أو تلفزيونية، ويفترض بنا جميعاً أن ندافع عنه، وننظر إليه نظرة احترام وبعيون مراقبة وألا نسكت على أي خطأ موجود، وما جعلني أتركه هو موقف من أساتذة المعهد الذين يريدون تحويل الطلاب إلى عبيد، لأن هؤلاء الأساتذة يعتبرون أن أفكار “نهاد قلعي” و”عبد اللطيف فتحي” وغيرهم ماض ليس لهم ولا للطلبة علاقة به، وهذا بالطبع لا يتناسب مع أخلاقياتي ولا مع الواقع، وخريجو المعهد يقولون: ليس لنا آباء، إذا هل هم أولاد حرام؟، هناك شيء أخلاقي يحصل داخل المعهد وأنا لا أحب التكلم بالأخلاقيات، ويحزنني كثيراً أن أسمع أن “جمال سليمان” اضطر لضرب طالب في المعهد لقلة أدب هذا الطالب، فمهما كان السبب فهذا يؤلمني، فقد طردنا “فايز قزق” عشرة أيام من المعهد لأنه ضرب “وفاء موصللي” بالثلج وهما يلعبان.

 * ما هو العمل الذي تكِنّ له معزة خاصة من بين أعمالك؟

صعب أن اختص أعمالا معينة وأخرى قد تهرب من ذاكرتي.. إنما أعتز كمخرج بأعمال مثل “الإخوة كارمازوف” و”دون جوان” و”عرس الدم” و”دخان الأقبية”، أما كممثل “شيخ المنافقين،المأساة المتفائلة” و”وفاة بائع جوال” و”حكاية بلا نهاية”، وفي السينما لي مشاركات أفتخر بها في أفلام مثلالقلعة الخامسة، رسائل شفهية،قصة شرقية“. 

* ماذا تريد أن تقول ونحن نختم حوارنا؟ 

أتمنى أن تخرج أمتنا سالمة من المخططات الجهنمية التي تحاك ضدها، وأتمنى أن نعود إلى سابق عهدنا، حملة لشعلة الحضارة والتقدم، وحراسا للعدالة والإيمان على وجه الأرض، أعتقد أن الأحلام أوشكت أن تكون حقيقة بالعزم والمثابرة والإيمان، وأخص الشعب الجزائري الذي أشتاق لزيارته ثانية وثالثة ورابعة أن يبقى على العهد شعبا ثوريا شجاعا مقداما معنيا بقضايا أمته وحارسا لبوابتها الغربية من الأطماع الخارجية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!