الشروق العربي
بتبرجهن الصارخ

تلميذات وطالبات يحوٌلن أروقة المدارس إلى قاعات عرض

الشروق أونلاين
  • 13162
  • 27

المدرسة.. ولقداسة الاسم يتبادر إلى أذهان سامعيه أن أسوارها تحتضن فتيات تشبٌعهن بالعلم والثقافة لا يقل عن تشبعهن بالعفة والأخلاق الحسنة، لكن هذا الأمر كان لزمن غير زماننا، ولجيل غير جيلنا، فالمار بمدرسة ثانوية أو متوسطة يخيٌل إليه-من مظهر الطالبات- أنه مار بقاعة أفراح أو دار عرض، بين متزينات بكل أنواع وألوان الماكياج ومتنمصات، شابات في عمر الزهور يخفين براءة الطفولة التي مازالت متشبثة بثنايا وجوههن رغم محاولاتهن العبثية لإخفائها، فهذه تطفئ بريق عينيها بعدسات شاحبة، وتلك تخفي إورداد وجنتيها بألوان مقززة، وأخريات رسمن على ملامحهن الطفولية ملامح هجينة، تنفر منها النفوس، ضاربات بذلك عرض الحائط كل ما يمٌت بصلة للآداب وأصول الجمال.

فضولنا لمعرفة غرض الطالبات من التبرج عند ذهابهن إلى المدارس، وفضولنا لمعرفة نظرة المجتمع لهذه الفئة من بنات حواء قادانا في جولة إلى ثانوية المقراني ببن عكنون، كانت الساعة تشير إلى الواحدة إلا بضع دقائق بعد الزوال، حينما بدأت العارضات–أقصد الطالبات-في التوافد أسراباً وفرادى، ولا يمكنك غض بصرك وسط قصات وتسريحات شعرغريبة على طريقة ليدي غاغا والفنانات الغربيات، وطلاء أظافر بمختلف الألوان وزركشات الموضة أيضا، أما عن مكياجهن فحدث ولا حرج. وبينما نحن ندقق النظر في الواحد حتى تخطفه الأخرى وإذا بفتاة قصيرة القامة، ممتلئة القد، تلبس قميصاَ وردياً من الدونتال وجينز مع حذاء رياضي مرصع، الغريب فيها أنها كانت تضع قرطا فضيا على أنفها، وشعرها قصير ذو تسريحة عبثية منفوشة بلون أسود قاتم وخصلات حمراء، كانت تملأ مقلتيها كحلاً حتى لا يتسنى لك رأيت البياض المحيط بها، كان شكلها غريباً، ملفتا للنظر وفي ذات الحين منفراً. حاولنا الاقتراب منها واغتنمنا فرصة دخولها الكشك القريب من الثانوية، وفور خروجها تحدثنا إليها بشأن طلتها المدرسية فقالت:”المكياج واللبس حرية شخصية، وأنا أفخر بأسلوبي الخاص، ثم إنني لا أرضى الخروج من منزلي شاحبة الوجه وكأنني أخرج من مستشفى، نحن نلتقي الناس في الطريق وفي المدرسة وكل مكان نقصده لذلك علينا أن نبدو في مظهر لائق في كل الأوقات”.

أتبرج عن فطرة

ولأن مفهوم الجمال لدى بعضهن خاطئ، أو لأنهن لم يعين في حكمة الخلق بعد لقوله تعالى، بعد بسم الله الرحمن الرحيم:”خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ“أي أن الله أحسن خلقه، وفي قولآخر بعد بسم الله الرحمن الرحيم :”الذي خلقك فسواك فعدلك، في أي صورة ما شاء ركبك”وهو الدليل على أن الله تعالى أبدع في تصوير عباده، مما لا يستدعي منهم العبث بخلقه واللجوء إلى مواد تجميل علها تضفي لمسة جمالية غير التي خلق الله. فهناك من الطالبات وحتى تلميذات المتوسط من لا يستغنين عن وضعها كل صباح وقد مست هذه الحمى جميع المستويات الدراسية تقريباً حتى تلميذات الابتدائية.حيث تقول ليديا:”أنا طالبة بالثانوية سنة ثانية،وبصراحة لا أرتاد المدرسة إلاً وأنا أضع عدسات خضراء اللون وروج ومساحيق تجميل-لكن خفيفة طبعاً-وكل يوم أغير تسريحة شعري..ذلك لأني بنت والبنت فطرها الله على حب التًزين، فالله جميل يحب الجمال، ومجتمعنا لا يقدر هذا الأمر”. 

الأمر خرج عن نطاق المسؤولين والتربويين في المؤسسات التعليمية 

وللحديث أكثر عن الظاهرة زرنا السيد”ع.بلقاسم”بمقر عمله كمدير ثانوية والذي أحسسنا بأنه تضايق كثيراً فور بداية الحديث عن ظاهرة المكياج هذه، حيث أخبرنا بأن الأمر خرج عن نطاق المسؤولين والتربويين في المؤسسات التعليمية:”لم نعد نتحكم في الظاهر، سننّا القوانين التي من شأنها أن تردع الفتيات عن التبرج ضمن القانون الداخلي للمؤسسة، وخصصنا عقوبات لهذه الفئة، لكن الأمر لم يجد نفعاً، ما دام الأولياء يمنحهن الحرية الكافية للقيام بمثل هذه التصرفات ومنهم من يدعموهن حتى، ولكن الأمر لم يجدي نفعاً، بل إن الظاهرة في تفاقم مستمر”. 

وفي ذات السياق، تروي لنا السيدة وردة أستاذة إجتماعيات قصة لها مع تلميذة في الصف الرابع:” كانت تلميذة نجيبة محصولها الدراسي جيد ولكن التناقض كان في مظهرها الذي لا يوحي أبداً بكونها متمدرسة، كانت تتمكيج يومياً بمختلف الألوان وكلما حاولت التكلم إليها ترددت كثيراً، خاصةً 

وأن علاقتي بها جيدة، إلا أن أتيحت لي فرصة بقائها في القسم آخراً  لتعدل شعرها بعد خروج زملائها، ففتحت معها الموضوع، لتواجهني بوابل من الكلام الغريب، حاولت أن أقنعها وأكون متفاهمةً معها إلا أنها غادرت القاعة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففي اليوم الموالي قدمت والدتها إلى المتوسطة وطلبت مقابلتي لتخبرني بأن ما تقوم به ابنتها حرية شخصية لا يصح لأي أحد التحكم فيها”. 

إهمال الأولياء لشؤون بناتهم وانشغالهم عن تربيتهم هو السبب 

ولمعرفة رأي الجنس الآخر حول الموضوع تحدثنا إلى”عبد الرحمن”طالب جامعي بكلية الاقتصاد بالبليدة فكان أن استنفر من الموضوع للوهلة الأولى وأرجع الأمر للحرية المطلقة التي باتت تتمتع بها الفتيات قائلا:”الجزائريون والجزائريات يأخذون دائماً الجانب السيء من الغرب ويطبقونه ولا يأخذون أبداً ما ينفعهم في حياتهم، تخيلي فتاة في الثانوية أو الإكمالية تتبرج للخروج نحو المدرسة، أين رقابة الأولياء من ذلك، إن لم يكٌن يتمتعن بالحرية السلبية”.

أما مهدي من العاصمة، 25 سنة فيرى بأن المشكل عالمي وليس حكرا على الفتيات الجزائريات فقط وأنه ناتج عن إهمال الأولياء لشؤون بناتهم وانشغالهم بأمور الدنيا عن تربيتهم على الوجه الصحيح و يقول مهدي:” أظن أن مكياج الطالبات يقلل من احترامهن لأنفسهن وللمؤسسات التربية التي ينتمين إليها ولأساتذتهن وهو يعكس تربيتهن بشكل عام”.


رأي الشرع: تبرج الفتيات يضر بهن

ولأن الظاهرة دخيلة عن المجتمع الجزائري كان للشرع رأيه في الموضوع، حيث يتأسف الأستاذ عبد الفتاح إمام وخطيب بأحد مساجد العاصمة عن حال الطالبات في المدارس كيف يتزين وكأنهن ذاهبات لعرس سواء في الثانوية أو المتوسطة وحتى الابتدائية، بالماكياج والملابس الفاضحة، حيث يقول الأستاذ:”أتعجب كيف لا تضبط المدارس قوانين تحد من الظاهرة كأن تفرض مآزر طويلة وأن تمنع المكياج مثلما تفعل المدارس وحتى الجامعات الغربية المتطورة، فلا الدين ولا المجتمع يقبل بتلك التصرفات التي تضر بالفتاة وبمستواها الدراسي قبل المحيطين بها.فالبنت أصبحت طامة وداهية وبتبرجها ذاك تكيل بمكيالين ضعف مستواها الدراسي وذهاب حجاب الحياء عنها. حتى الأساتذة ما عدن يحترمن مراتبهن فكيف للطالبات أن يحتشمن وهناك من الأستاذات من يدخلن القسم بلباس قصير غير ساتر ومكياج مثير يتأثر به الطلاب علما وخلقا.

التمكيج في المدرسة شكل من اشكال التحدي

في هذا الصدد تقول السيدة ليندة قاسي، مختصة في علم الاجتماع التربوي، بأن الظاهرة قد تكون ناتجة عن ضغط أسري، والذي تترجمه التلميذة بسلوكيات لا واعية غالباً ما تكون خفيةً عن الأهل، فالكثيرات من المتمدرسات المتمكيجات يضعن المكياج خفية خارج المنزل، في منازل الزميلات، أو في أماكن الدراسة،كشكل من أشكال التحدي لقيم المجتمع ولفرض أنفسهن فيه، والظاهرة تعتبر من عوامل الانجراف وراء الموضة التي تجلبها الأنترنت والفضائيات، والتقليد السلبي.

مقالات ذات صلة