الجزائر
لجنة "قسنطيني" تقول إنّ أزمة غرداية "اجتماعية"

تهريب 16 مليارا في الجزائر خلال عقد!

الشروق أونلاين
  • 9110
  • 0
ح. م
مصطفى فاروق قسنطيني

كشفت اللجنة الوطنية لحماية وترقية حقوق الإنسان، الاثنين، عن تهريب ما لا يقلّ عن 16 مليار دولار خارج الجزائر في العقد الأخير، مبرزة أنّ وعاء التهرّب الضريبي اتسع إلى حدود 5 آلاف دينار، واعتبرت اللجنة أنّ الزوبعة الأخيرة التي هبّت على مدينة “غرداية” تنطوي على “طابع اجتماعي محض”، وليست لها علاقة بحقوق الإنسان، مثلما ليست ذات منشأ ديني أو إيديولوجي داعيا إلى حوار “أخوي مستعجل” لطي صفحة “خطيرة تمس بالوحدة الوطنية”.

في تقرير حديث حول وضع “حقوق الإنسان” في الجزائر، قرعت اللجنة التي يرأسها المحامي المخضرم     مصطفى فاروق قسنطيني”، أجراس الإنذار بشأن النزيف المالي المتزايد، حيث أكّدت أنّ الفترة ما بين 2004 و2014 شهدت تهريب ما لا يقلّ عن ست عشرة مليار دولار بمعدل 1.5 مليار دولار كل عام (..)، ما جعل التقرير يتحسّر على كون هذا المحذور فوّت على الجزائر “فرصا تنموية كبيرة”.    

وفي تأكيد لما أورده الإعلام الجزائري منذ سنوات، ركّز التقرير على ظاهرة “التهرّب الضريبي” التي كبّدت اقتصاد البلد نحو خمسة آلاف مليار دينار، وهو ارتفاع محسوس بعدما كان الحديث في سنتي 2007 و2008 عن ستمائة مليار دينار.

ولاحظت اللجنة أنّ التهرّب الضريبي “يمس قسطا كبيرا من الاقتصاد الوطني الذي يقوضه اقتصاد مواز يعرف تداول مبالغ هائلة ولا يخضع تماما للضرائب”.

 

لا مناعة ضدّ الفساد

تطرق التقرير إلى كون ظاهرة الفساد “تنخر اقتصاد البلاد وتكبح نموه”، ولفت إلى أنّ الجزائر “تبدو البلد الأقل تجهيزا”، ودعا إلى إشراك الجميع بشكل فعلي في معركة مكافحته، كما اقترح أن تكون التقارير السنوية التي يصدرها مجلس المحاسبة محل ترويج إعلامي كبير من أجل رفع دعاوى فورية للتصويب والمتابعة والإلزام.

وتضمّن التقرير أيضا توصية بالتطبيق الفعلي للتشريع الذي يفرض على المسؤولين التصريح بممتلكاتهم من أجل الوصول إلى شفافية أفضل للحياة السياسية والإدارية.

 

استقلالية القضاء و.. سوء التسيير أسوأ حلقة !      

جاء في التقرير أنّ استقلالية جهاز القضاء “تمثل شرطا جوهريا لإحلال الديمقراطية الحقة وإرساء دولة قانون من شأنها وضع حد لديمقراطية الواجهة”، ودعت اللجنة إلى التوقف عن اللجوء المفرط إلى الحبس الاحتياطي الذي يؤدي إلى آثار سلبية على حياة المتقاضي ويضر بمبدأ قرينة البراءة.

وذهب إلى أنّ حقوق الإنسان في الجزائر “سجلت كثيرا من التقدم” مقارنة بالسنوات الماضية، عبر ارتقاء الحقوق الاجتماعية خاصة في قطاعي السكن والصحة، غير أنّ التقرير اعتبر “سوء التسيير أسوأ حلقة” خاصة في منظومة الصحة رغم مضي ثلاث عشرة سنة عن إقرار الخطة الضخمة لإصلاح المستشفيات وأنسنة العلاج.

ودعت لجنة “قسنطيني” السلطات للقيام بدراسات من أجل تقييم الفروقات في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين الشمال والجنوب الجزائري خاصة الحق في التنمية والعمل بغرض تعديل وتكملة كافة السياسات العمومية المستقبلية من أجل تقليص التباينات المسجلة.

وحثّ التقرير الجهاز التنفيذي على استغلال قطاعات اقتصادية واعدة تحوز إمكانيات تنموية كبيرة مثل الزراعة والطاقات المتجددة حتى يتم تقليص ما سماها “الفروقات في التنمية”.

 

“التوافق”، “تناقضات” التشغيل وهاجس الإسكان

اعتبر التقرير أنّ أي مبادرة لاستغلال الغاز غير التقليدي ينبغي أن تكون محل “توافق وطني” وذلك موصول بالتشاور مع السكان والمجتمع المدني لا سيما بالمناطق المعنية مباشرة، وإذا حصل توافق على استغلال الغاز يجب أن يكون ذلك محلّ استفادة تلك المناطق.

ووجّهت اللجنة انتقادا صريحا لسياسات التشغيل، ولاحظت أنّها تنطوي على “تناقضات” بين المعطيات الإدارية والإحصائية للتحقيقات حول اليد العاملة التي أعدها الديوان الوطني للإحصائيات.

وتابعت اللجنة أنّ السكن لا يزال “الشغل الأول” للمواطنين رغم الموارد الهامة التي تسخرها الدولة في برامج بناء السكنات، ودعت للتكفل بالأشخاص المحتاجين فقط وفقا لسلم الأولويات، مع وضع آلية مراقبة وتسيير حسن وإيجاد شروط لخلق سوق حقيقي للعقار وتنظيم سوق الإيجار.

 

ارتهان الشباب يفرض مراجعة

حيال انتشار ظاهرة المخدرات، دعا التقرير إلى مراجعة القانون المتعلق بالوقاية منها ومكافحتها لأنّ التشريع الحالي “يأخذ الشباب كرهينة” بدل تقديم المساعدة لهم، ورأت اللجنة بــ “لا معقولية وضع شاب في السجن بمجرد حيازته كمية صغيرة من المخدرات”.

وأكّد التقرير على أهمية التكريس الفعلي لعدد من المبادئ بينها تعزيز دولة القانون وإعادة تنظيم المجتمع المدني لضمان عمل الجمعيات في شفافية وفي ظل احترام القانون وتشجيع تسييرها الديمقراطي وتجنيب التسييس بتشجيع “المهنية”، كما أوصى بإشراك الجمعيات في اتخاذ القرارات محليا ووطنيا.

 

ثالوث يفخخ “عاصمة ميزاب”

أسبغ التقرير طابعا اجتماعيا على الأحداث الدامية التي فخّخت “غرداية” في السنوات الأخيرة في الأسبوع الأخير، وربط التقرير ما ظلّ يلغّم سماء “عاصمة ميزاب” بمسائل الحصول على الملكية والسكن والعلاج.  

 

تنويه بتعويض المغتصبات ومكافحة العنف

نوّهت اللجنة باعتراف السلطات بالنساء ضحايا الاغتصاب من طرف الإرهاب، بموجب المرسوم التنفيذي الصادر في سنة 2014 والمتضمن تعويض الأشخاص الذين تعرضوا لأضرار بدنية أو مادية تبعا لأعمال إرهابية أو حوادث جرت في إطار مكافحة الإرهاب وكذا ذوي حقوقهم.

وأشاد التقرير بتعديل قانون العقوبات من أجل تعزيز مكافحة العنف ضد النساء الذي كان مشروعا حين كتابة التقرير وكذا بتأسيس صندوق نفقة خاص بالنساء المطلقات اللاتي تكفلن أطفالا.

وأوصت اللجنة بتوسيع مفهوم العنف الزوجي ليشمل الجانب الخاص بالعنف المنزلي (أي العنف ضد الأم والبنت والزوجة) واعتماد قانون إطار يسمح بمعالجة خصوصيات العنف ضد المرأة كمنحها تعويضات وعناية واستحداث تعريف للاغتصاب ووضع رقم اخضر مخصص لضحايا العنف من أجل التبليغ.

 

غياب قانون “الإشهار” يعيق الإعلام

عبّرت اللجنة عن ارتياحها لتكريس فتح مجال السمعي-البصري وتنصيب سلطة ضبط، معتبرة ذلك التزاما بتعهدات رئيس الجمهورية وتلبية لتطلعات المواطنين، ورأت أنّ احترام أخلاقيات المهنة والابتعاد عن التشهير والشتم وتنظيم القطاع هي أكبر تحديات السمعي-البصري في الجزائر.

ولفت التقرير إلى أنّ الصحافة المكتوبة عرفت سنة 2014 “صعوبات أثرّت على ممارستها ويمكن أن تعيقها عن تحقيق الحق في المعلومة”، وتابع “العديد من العناوين تعتبر مجالات الطبع والإشهار قطاعات حيوية لازدهار الصحافة وفي الوقت نفسه تمثل وسائل ضغط من أجل كبح انتشار الحق في المعلومة بسبب الاحتكار الممارس عليها”.

واعتبرت اللجنة أنّ “عدم تكافؤ البنى الإعلامية وآثار ذلك على النشر والطبع والإشهار يشكّل حتما وسائل ضغط على مردودية الصحافة واستمراريتها وتطورها”، مثلما ركّزت أنّ “غياب” قانون ينظم الإشهار هو “أكبر عائق” لأنّ الإشهار العمومي لا يزال خاضعا للتشريع الصادر في تسعينيات القرن الماضي.

وانتهت اللجنة إلى حساسية “تعزيز حرية التعبير وانفتاح الصحافة، وهو ما يتطلب حتما إرادة أكبر”.

مقالات ذات صلة