-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

توضيح حول مسألة الترحّم على غير المسلمين

توضيح حول مسألة الترحّم على غير المسلمين

اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بعد استشهاد الأخت الصحفية المجاهدة بالكلمة (شيرين أبو عاقلة) حول جواز أو عدم جواز الترحم على غير المسلمين، وانقسم الناس في ذلك الأمر إلى قسمين أحدهما: يترحم، والآخر -كعادته- انشغل بالمماحكة في الجزئيات التي تعدُّ من المعلوم من الدين بالضرورة.. وانشغلوا عن القضية الأم وهي اغتصاب فلسطين وتدنيس المسجد الأقصى بمسألة جواز التلفظ بالترحم أم عدم جوازه.

غالبية المتواصلين ترحّموا عليها من باب الدعاء والرحمة بالبشرية والإنسانية كافة، وبنيّة طيّبة لا يعتورها تدنيس عقيدة التوحيد ومخالفة الكتاب والسنة، فهم قد تفاعلوا معها من منطق نصرة فلسطين لا غير.. فيما انبرى الطرفُ القصير النظر والقليل الاطلاع والبضاعة كعادته، والجاهل بحقائق المجتمعات ونسيجها وعلاقاتها وطبيعتها ومكوناتها.. وأسرع كعادته ومن غير علم ولا معرفة وقصور نظر إلى استحضار النصوص الشرعية التي نؤمن بها جميعا، وهي عدم جواز الترحُّم على غير المسلمين، ووضعها موضع السكين من عنق الذبيح، دون أدنى معرفة بحقيقة مجتمعات الشرق العربي، فأساءوا وأضرُّوا لأنهم لا يعرفون فهم وفقه إنزال النصوص على الواقع وفق أدبيات التخريج الأصولي (حادثة، واقع ومحل، حكم شرعي، إنزال النصوص والأحكام).

وتحرير النزاع في المسألة من وجهة نظري ينطلق من فقه مجتمعات الشرق أولا، وعدم الخوض في موضوعات نجهلها فنظلم أنفسنا وغيرنا بجهلنا.

لقد وُلدتُ في دمشق يوم الجمعة  10/10/1957م وأتممت دراستي الابتدائية والإعدادية والثانوية فيها، وعشت فيها إلى أن صار عمري ثمانية عشر عاما، وكانت حارتُنا المغاربة بجوار حارة المسيحيين والدروز ثم حارة أهل الشام بالقرب من قبر السيدة عاتكة رضي الله عنها. وكانت الحياة الاجتماعية في المجتمع التعددي تقضي بالتعامل والتعايش والتفاعل مع كل المكوِّنات الدينية والعرقية، فنبيع ونشتري ونسلّم ونحيّي وندعو ونتعامل ونسأل عن صحة أصدقائنا وجيراننا من الدروز والمسيحيين بطوائفهم المختلفة واليزيدين والعلويين والنصيريين والإسماعيليين والصابئة والآشوريين وعبدة الشيطان والديصانية والأرمن والأكراد الوثنيين والمسلمين.. كما كان لنا زملاء في المدرسة من كل الطوائف، فقد درستُ في إعدادية حسن الخراط بوسط دمشق وفي ثانوية عبد الرحمن الكواكبي جنوب دمشق وكان في القسم الذي أدرس فيه سبعة عشر ملة، وكنا نتعامل كزملاء وأصدقاء ونذهب إلى المدرسة معا ونعود معا، ونهنئ بعضنا بالأعياد والمناسبات، بل يسأل بعضُنا بعضًا عن مواعظ يوم الأحد والجمعة..

غالبية المتواصلين ترحّموا عليها من باب الدعاء والرحمة بالبشرية والإنسانية كافة، وبنيّة طيّبة لا يعتورها تدنيس عقيدة التوحيد ومخالفة الكتاب والسنة، فهم قد تفاعلوا معها من منطق نصرة فلسطين لا غير..

وكان لنا أصدقاء أرمن منهم صديقي المحترم (فاهييه ماخشيكيان) الذي كان يأتي إلى مكان الوضوء في الإعدادية ويراني كيف أتوضأ ثم يطلّ عليَّ من نافذة المصلى ليراني كيف أصلي، ثم يسألني ماذا أقول في كل حركة.. ويوم أن توفيتْ جدتُه غاب عن الدراسة ولما عاد عزّيناه كلنا؛ المسلم وغير المسلم، وقلنا له: (رحم الله جدَّتك فقد كانت طيبة وخلوقة وتعطينا الحلوى..) وواسيناه بعبارات المجاملة، وهؤلاء جيراننا في الحي، فعمارتنا التي سكناها بحي المجتهد كان بها المسيحيون الكاثوليك واليعاقبة والروم الأرثوذوكس والدروز والعلوية.. وكنا نسلم على بعضنا ونسأل عن صحة الأهل والأسرة.. حتى توصَّلنا إلى اقتراح تبادل الزيارات، فزرناهم يوم عيد الفصح في الكنيسة واشترطنا عليهم ألا نأكل شيئا.. وزارونا يوم عيد المولد النبوي الشريف بجامع الحيوطية وأعجِبوا بديننا.. وكنا نستفتي كبار العلماء في الشام وما كانوا يثيرون فينا الشك والريبة، وبقوا هم مسيحيين ودروزا وعلوية وبقينا نحن مسلمين متمسكين بديننا.. بل كنا نشتري ونبيع مع التجار اليهود في سوق الطويل وفي حارة اليهود بدمشق  باحترام وتقدير..

ويوم أن صنع اليهودُ والأمريكان التيارات السلفية المتنطّعة المتشدِّدة قسموا المجتمعات الشرقية ومحوا مصطلح التعايش من الوجود ودمَّروها بالحروب الأهلية تحت مسمى “الربيع العربي”.

إنه مصطلحٌ لا يعرفه هؤلاء المتنطعون واسمه (التعايش)، والتعايش السلمي في الأدبيات الإسلامية بارزٌ من خلال وثيقة المدينة المنورة التي دُوِّنت بحضور رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قانونٌ ووحي إلى النبيّ الكريم ينظم العلاقة بين المسلمين واليهود والنصارى ومشركي العرب لاحقا، مؤسس بضوابط شرعية وقواعد أصولية قامت عليها دراساتٌ وأبحاث كثيرة تملأ رفوف المكتبة الإسلامية، فنحن لا يلزمنا إلاّ وحي الله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

ولمزيد من الاطلاع يُرجى التفضُّل بدخول موقع الكلية وقراءة هذين الكتابين (مقاربة الوجود الإسلامي في الغرب من خلال الأقليات المسلمة) و(الأقليات غير المسلمة في العالم العربي والإسلامي) وقد وضعتُهما مجّانا لمحبِّي العلم والمعرفة، فأبعدوا هؤلاء من تصدُّر مناصب الفتوى حتى لا يزيدوا من الإثخان في دين هذه الأمة.

ولا تنسوا قوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرُّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين* إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولّهم فأولئك هم الظالمون) (الممتحنة: 8، 9). أللهم اشهد أني بلغت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • محمد

    هداك الله

  • info

    انت مخطئ