-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
من‭ ‬بعيد‭ ‬

تونس‭ ‬الخضراء‭.. ‬الإنجاز‭ ‬التاريخي‭ ‬وسطوة‭ ‬السفهاء

تونس‭ ‬الخضراء‭.. ‬الإنجاز‭ ‬التاريخي‭ ‬وسطوة‭ ‬السفهاء

حين بدأت التعددية في الجزائر بعد دستور 23 فبراير 1989 ـ كنت وقتها صحافي في مجلة الوحدة ـ لسان حال الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية ـ كتبت مقالا بعنوان: “.. إنهم السفهاء فاحذروهم” فرفض المدير العام للمجلة الأستاذ “على ذراع” نشره ـ وهو أول مقال يمنع نشره في حياتي الصحفية ليتأتى بعده المنع لمقالات أخرى خلال سنوات متفرقة في الجزائر ومصر والإمارات ولندن.. الخ”، وقد كان موقف “علي ذراع” سليما ومقنعا لي بمقاييس اللحطة التاريخية الجزئرية في ذلك الوقت.

  • الفكرة الأساسية للمقال تقول: إن الأحزاب التي بدأت تظهرعلى الساحة، وتطرح مشاريع متشابهة، وتقودها شخصيات سياسية ودينية وحتى أكاديمية تتحرك على الساحة معلنة أن ساعة التغيير قد أزفت، وأن الجزائر ستكون بلدة آمنة وأن العدالة ستعم وتنتهي بنا إلى العيش في المن والسلوى،‮ ‬هي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬أحزاب‭ ‬واهية،‮ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬قادتها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬السفهاء‮ ‬لم‭ ‬تؤت‭ ‬من‮ ‬التجربة‭ ‬خيرا‭ ‬قليلا،‮ ‬فكيف‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تعدنا‭ ‬بالخير‭ ‬العميم؟‭! ‬
  • لم يكن ذلك المقال تعبيرا عن رأي مناقض للمناخ السياسي العام فحسب، ولكنه أيضا قراءة احتماعية تتعارض مع حركة الشعب الجزائري وأمله في التغيير، لهذا كان رفض نشره من المدير العام صوابا انطلاقا من الحاضر، وكانت كتابتي له أيضا صوابا بالنظر إللى تبعات العمل السياسي،‮ ‬وقد‭ ‬أثبتت‭ ‬السنوات‭ ‬صحّة‭ ‬ما‮ ‬ذهبت‭ ‬إليه،‮ ‬مع‭ ‬أنني‭ ‬تمنّيت‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬عكسه‭.‬
  • اليوم وبعد 22 عاما من كتابة هذا المقال، أعود لمضمون المقال السابق لأقول لأخوتنا في تونس وقد أخذتهم العزة بالانجاز، وروّج كثير من العرب والغربيين لفعلهم التغييري، لدرجة تحميلهم مصير تغيير المنطقة: إن معظم الذين يمتدحون فعلكم من المنطقة وخارجها، هم سفهاء السياسة فاحذروهم.. ليس مهما أن يمتدحكم الناس، ولكن المهم ان تعرف تونس كيف تتفادى سيناريو دول عربية أخرى، وقد يكون أبشع لكون “نَفَسَكم” قصيرا من ناحية التكلفة في عدد الضحايا، وقد استشطم غضبا لأن عشرات من المواطنيين سقطوا ضحايا الانتفاضة، فكيف تفعلون في الغد، الذي‭ ‬يريد‭ ‬الآخرون‭ ‬صناعته‭ ‬على‭ ‬حسابكم،‮ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬عدد‭ ‬الضحايا‭ ‬والمصابين‭ ‬والمعتقلات‭ ‬بالآلاف‭ ‬لا‭ ‬قدّر‭ ‬الله؟‭.‬
  • لقد جرّب بعض من أهل تونس خلال فترة حكم الرئيس زين العابدين بن علي لباس الجوع والفقر، وابتلي كثير من أهلها بالخوف لغياب الآمان، فماذا سيفعل شعبها حين يغيب من حياته الأمن والسلم العام؟.. قد يبدو هذا الكلام في خضم الأحداث الراهنة ترفا فكريا وعملا تنظيريا، لكن ما يشفع لي أنه نابع من حب لتونس وأهلها، خاصة بعد أن انتشرت منها حمىّ الحرق إلى بعض الدول العربية مغربا ومشرقا، وبهذا الخصوص كنا ننتظر ولا نزال أن يعطينا علماء المسلمين رأيهم في عمليات الحرق حتى نميّز بين الشهادة والانتحار، أليسوا هم من اعتبر الثورة على الحكام‭ ‬فتنة‭ ‬وخروجا‭ ‬عن‭ ‬سلطة‭ ‬وليّ‭ ‬الأمر؟‭.. ‬فما‭ ‬بالهم‭ ‬اليوم‭ ‬يشتركون‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وبعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬تأييد‭ ‬خلع‭ ‬زين‭ ‬العابدين‭ ‬بن‭ ‬علي؟‮ ‬
  •  مهما يكن، فمن تونس ستأتي رياح التغيير في الدول العربية عاصفة، وستسخّر لشهور في بعض الدول، وفي أخرى لسنوات، وستنهي في الغالب إلى انهيار دولنا وتخلفنا لعقود ـ أي لما هو أكثر من تخلفنا الرّاهن ـ والآراء القائلة بتغيّر الوضع من خلال انتفاضة الشعوب ضد الأنظمة في هذا البلد العربي أو ذاك، ليست صحيحة إلا في حالات قليلة، منها تلك الخاصة بمحاربة الاستعمار، والخوف، كل الخوف، حين تأتي من أولئك الذين يتقدمون الصفوف في كل مرحلة من مراحل التغيير؛ ذلك لأن التغييرالجذري والهادف في المجتمعات ينبني على فلسفات وقيم ومبادئ تلتقي‭ ‬فيها‭ ‬النخب‭ ‬مع‭ ‬العامة،‮ ‬وهذا‭ ‬مفقود‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العربي،‮ ‬وإن‭ ‬قلنا‭ ‬بغير‭ ‬هذا‭ ‬فنحن‭ ‬نغالط‭ ‬أنفسنا‭.‬
  • المعارضة في دولنا العربية الحقيقية والمزيفة ـ ومنها تلك الفاعلة اليوم في التجربة التونسية ـ تختصر مشكلاتنا الكبرى في كفر الجوع، وجنون البطالة وظمأ العدالة، ولكنها لا تشير من قريب أو بعيد للشق الإيماني في كل أفعالنا أو دعواتنا للتغيير، بما فيها تلك الصادرة عن‭ ‬الأحزاب‭ ‬الإسلامية،‮ ‬فمثلا‭ ‬هل‭ ‬تحرّك‭ ‬شعب‭ ‬عربي‭ ‬واحد‭ ‬للمطالبة‭ ‬بتطبيق‭ ‬الشريعة‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬الحكام‭ ‬وإخراجهم‭ ‬من‭ ‬الغي‭ ‬إلى‭ ‬الرشاد؟‮ ‬
  •  من هذا المنطلق ينتابني خوف من الأحداث الأخيرة في تونس، وقد يعود ذلك إلى أمرين، الأول: معايشتي للتجربة الجزائرية منذ أحداث أكتوبر 1988 وإلى غاية الآن، وهي أطول عمرا وأكثر تضحية، مقارنة بكل التجارب العربية الأخرى، فكيف كانت النتييجة؟
  • نتيجتها اليوم معروفة لمعظم الجزائريين، ويمكن تلخيصها في: نهب خيرات الدولة من جماعات الفساد المنظمة، وتراجعنا على مستوى الحراك الاجتماعي، وقد قبلنا بهذا أو طوّعنا للقبول به، لأننا عشنا سنوات مريرة عرفنا فيها معنى أن غياب الأمن والآمان، وأيضا معنى أن تكون الدولة‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬حماية‭ ‬شعبها‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬أفراد‭ ‬شعبها‭ ‬منبوذون‭ ‬في‭ ‬الخارج‭.‬
  • لقد كادت أن تضيع منا الدولة لولا قوتها الذاتية، وتقسم البلاد لولا حسم الجيش، وتنهار بالكامل لولا صبر الشعب على المآسي، والذين يثنون على التجربة التونسية اليوم، في الداخل والخارج هم الذين كانوا يعتبرون أحداث الجزائر الدموية دليلا على عنف الشعب هناك ودمويته، والذين يعتبرون الجيش التونسي اليوم حامي لانتفاضة الشعب هناك هم أنفسهم من شوّهوا صورة الجيش الجزائري واتهموه بالإرهاب، وهم الذين يحضرون اليوم لسيناريو مأسوي في تونس لحرب طاحنة بين المؤسسات الأمنية للدولة التونسية من جهة والجيش من جهة أخرى، يكون وقودها الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬بكل‭ ‬أطيافه‮.‬
  • الأمر الثاني: كثرة المرتزقة والمتطفّلين على التجربة التونسية الراهنة، حيث هنالك سعي لقطف ثمارها من عدة أطرف، بمن فيهم الذين كانوا فاعلين على مسرح عمليات الفساد خلال العقدين الماضيين، والمشكلة ليست في مواجهة أولئك المنبذوين اليوم من المجتمع التونسي، وحتى في كشف جماعات “الحرباء” من مثقفين وإعلاميين كانوا إلى غاية نهاية العام الماضي في غدو ورواح إلى تونس مؤيدين للنظام هناك، إنما هي في تلك الدعوات، التي تؤكد على الإقصاء بالأسلوب الجزائري أثناء السنوات الأولى من الإرهاب، والأخرى التي تعمل من أجل حل الحزب الدستوري الحاكم بنفس الطريقة التي اتبعتها أحزاب الاحتلال العراقية مع حزب البعث، وايضا في مسألة أخطر، تتمثّل في الاستجابة المتواصلة لكل مطالب العامة، بما فيها تلك التي تتطلب نوعا من التمييز في معرفة الأولويات، تذكرنا بالفليم المصري رامي الاعتصامي، مع اختلاف في الإخراج‭ ‬وأدوار‭ ‬البطولة‮.‬
  • تونس اليوم تصنع تاريخا جديدا، بلا شك، لكن إن لم ينتبه أهلها لدورهم ومسؤوليتهم في الحفاظ على دولتهم سينتهون إلى “اللاّدولة”، وإذا حصل هذا ـ لا قدّر الله ـ فإنه لن ينفعهم من القول عندئذ أن الحاصل هو نتاج النظام السابق، بالتأكيد سيعلمون عندها معنى أن تكون دولتهم آمنة مطمئنة.. لذا فمن الأفضل لهم ولنا أن تكون النصيحة من القلب، لا أن ينوبوا علينا في مواجهة جميعا في أنظمة فاسدة أوصلنتا إلى الهروب عبر قوارب الموت والانتحار والحرق، أو ضياع الدول في المستقبل المنظور.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • حموى

    ما وقع في تونس هو انقلاب أمني على الرئيس بن على من قوة تعبث بالعالم العربي و الإسلامي. تنحيه بهذه السهولة و الطريقة مشبوه جدا
    المستهدف هنا هي الجزائر طرف جبهة الصمود و التصدي لحصارها بين المغرب و تونس التي هي في طور الإعداد و وضع ليبيا بين مصر و تونس سندوتشات يسهل
    تفكيكها مثل العراق و السودان

  • أنا من هنا

    باختصار...لا يجب الاعتماد على الاحزاب للسباب التالية :
    - اغلبها تجاوزها الزمن قادتها شيوخ
    - تعتمد ايديولوجيات دينية وتوجهات بائدة تدعو للتناحر اسلاموية متطرفة علمانية ليبرالية شيوعية ..الخ
    - تغفل تماما الجانب الاقتصادي وهو الاهم بعدم وجود خطط تنموية
    - الاحزاب تركب مطالب وتتسلق للوصول ولم تدفع في المقابل شيئا يذكر
    - ستتكالب وتتصارع على السلطة وينتهي الامر بهيمنة احدها وتشريد وتعذيب ونفي الباقي كما حصل ويحصل وفي احسن الاحوال تؤلف ائتلافا فاسدا يخدم السلطة ولا يخدم الشعب

  • لخظر

    نعم نحن فى الجزائر مع الشعب التونسى قلبا وقالبا.ولكن احذروا ثم احذروا من الفتن وشكرا للاستاذ كاتب المقال لقد نصحتى وبلغت

  • نبيل

    أخطأت التحليل كليا هذه المرة يا أستاذ

  • lotfi

    vive la tunisie vive lalibertee vive lalgerie ils onls avec nous

  • بدون اسم

    احسنت القول و كنت مخلصا في نصيحة احبابنا في تونس 1988 لا ينساها اي جزائري