-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تونس الرياضيات… وتونس السياحة

تونس الرياضيات… وتونس السياحة

تُعرف تونس لدى الجزائريين بأرض السياحة وبأسلوب تعامل أهلها مع السياح ويقارنوه بأسلوبنا ويتبيّن لهم أنه غير قابل للمقارنة في الكثير من الجوانب فيذمون أنفسهم! كما يَعرف مثقفونا تونس من خلال جامع الزيتونة الذي أدى دورا بارزا قبل 1956 في تكوين النخب ذات الثقافة الدينية من تونس والجزائر وغيرهما.

نوابغ تونس

لكن هناك جانبا علميا آخر غائب عن عامة الجزائريين، وحتى عن الكثير من المثقفين عندنا، وهو بروز نوابغ في تونس في مجال الرياضيات خلال العقود الماضية، ومصطلح “نوابغ” هنا ليس مصطلحا مبتذلا لأن الشواهد على ذلك ملموسة ودقيقة سنشير إليها أدناه.

ثمة في الرياضيات مؤتمر يعقد في دولة من الدول المتقدمة مرة كل 4 سنوات منذ أزيد من قرن، يسمى “المؤتمر العالمي للرياضيات” يحضره آلاف الباحثين في فروع الرياضيات، ويشرف عليه الاتحاد الدولي للرياضيات، وتسلّم خلاله ميدالية فيلدز للفائزين (وهي أعلى وسام في الرياضيات يعادل جائزة نوبل في العلوم الأخرى).

وخلال هذا المؤتمر تعقد نحو 20 دورة متوازية، وتدوم أشغاله التي تغطي مختلف فروع الرياضيات حوالي 10 أيام، ولذلك يستضيف المؤتمر عددا محدودا من كبار الرياضيين لإلقاء محاضرات في هذه الاختصاصات، ينتسب هؤلاء الضيوف -الذين تختارهم لجنة عالمية خاصة تتكون من كبار العلماء- إلى فئتين: فئة شابة ينبغي التعرف عليها وتشجيعها يرى المؤتمرون أن لها مستقبلا زاهرا، وفئة أكبر سنا قدمت الكثير للرياضيات.

كانت آخر دورة للمؤتمر العالمي قد عقدت في كوريا الجنوبية عام 2014، أما الدورة الموالية فستكون في البرازيل خلال صيف 2018، وقد أَفرج قبل أيام المنظمون على قائمة كبار المحاضرين “حوالي 200 محاضر” في هذا المؤتمر، وما لفت انتباهنا أننا لم نجد من الأسماء العربية فيها سوى 4 أسماء كلهم يعملون في الخارج عدا واحد، فلاحظنا أن أحدهم يعمل في باريس ولا ندري ما هي أصوله “قد يكون لبنانيا”، أما الثلاثة الآخرين فكلهم من أصل تونسي، وهم:

– الأستاذ نذير مصمودي: درس في تونس وفرنسا، وهو أستاذ جامعي بنيويورك.

– الأستاذ نور الدين القروي: درس في فرنسا، وهو أستاذ بجامعة بركلي الشهيرة بالولايات المتحدة.

– الأستاذ محمد مجدوب: درَس في تونس ودرَّس في جامعتها حتى 2016، وانتقل هذه السنة إلى جامعة الدمام السعودية.

وعندما بحثنا عمن تمت دعوتهم لإلقاء محاضرات من العرب في الدورات السابقة لنفس المؤتمر وجدنا ثلاثة، وهم جميعا من تونس:

– المرحوم محمد الصالح باوندي الذي حاضر في المؤتمر عام 1974، وقد توفي بالولايات المتحدة حيث كان يعمل في إحدى جامعاتها.

– الأستاذة هاجر بحوري التي استضيفت لإلقاء محاضرة في دورة عام 2002، وعملت مطولا في تونس، ثم انتقلت عام 2010 إلى جامعة باريسية.

– الأستاذ نزار توزي الذي دعاه المؤتمر الدولي عام 2010 لإلقاء محاضرة، وهو يعمل حاليا في فرنسا.

وهكذا نلاحظ أن من بين 7 أساتذة عرب شاركوا أو سيشاركون بمحاضرات رئيسية في دورات المؤتمر العالمي للرياضيات، يوجد 6 أستاذة من أصل تونسي، وأن جلهم درسوا أولا في تونس، إلا أن كلهم يعملون الآن خارج بلدهم.

هذا فخر كبير لتونس لأن المشاركة بمحاضرة في هذا المؤتمر تعتبر بمثابة اعتراف دولي كبير تفوق الكثير من الجوائز العالمية في الرياضيات.

 

إجماع ضد زغمان مبخوت

وبطبيعة الحال فلتونس، كما لبلدان عربية أخرى، العديد من الباحثين الكبار في الرياضيات وغيرها، وهم منتشرون عبر الجامعات ومراكز البحث في العالم، ولا يسع المكان للحديث عنهم في هذا المقام.

ويتساءل المرء لماذا هذه الصدارة لتونس في هذا المجال ولماذا لا نجد ذكرا لبلدان عربية أخرى؟ هو سؤال مفتوح لا نلم بكل خصوصياته، لكن الأكيد أن الأسباب لا تكمن في لغة التدريس كما قد يدعي البعض لأن علماءنا الجزائريين المنتشرين في كل القارات درسوا بلغات مختلفة، وأكثرهم باللغة الفرنسية، وتفوّقوا، دون أن يبلغوا هذا المبلغ.

وحتى لا نظلم أحدا يجدر بنا ألا ننسى الباحث الجزائري الصعب المراس زغمان مبخوت البالغ من العمر 68 سنة، والأستاذ بباريس، نشير بهذا الصدد إلى أن المتخصصين في الرياضيات يعرفون العلامة ألكسندر غروتنديك Alexander Grothendieck (1928-2014) وتاريخه الحافل بالمنجزات وبأعلى الأوسمة الرياضية “منها ميدالية فيلدز” التي فاز بها ورفضها كلها، لأنه يؤمن بأفكار مثالية تجاوزت كل الحدود، هذا المتمرد له شهادة فريدة حول إنجازات زغمان مبخوت الرياضية والإجحاف الذي قوبل به، يقول فيها إنه خلال الفترة 1972-1979 ابتكر مبخوت وطوّر نظريته بصمت ودون أن يبالي به أحد، ثم يضيف: “في رأيي، كان هناك إجماع على قرار التستر في فرنسا وفي العالم حول اسم مبخوت ودوره في هذه النظرية الجديدة عندما تبيّنت أهمية أبعادها”. 

بل يذكر في أوساط اختصاص مبخوت أنه كان مؤهلا للفوز بميدالية فيلدز في تلك الفترة غير أن الاتجاه العام لم يسانده.. ربما لهذا السبب أدلى ألكسندر غروتنديك بشهادته السابقة.

وعلى كل حال، فالباب لم يغلق أمام النخب رغم تقاعس رجال السياسة عندنا، وهذا التقاعس واللامبالاة الخطيرين لساستنا في هذا المجال يدل عنهما مثلا تسيير ملف أكاديمية العلوم التي قُبر مشروعها إثر تعيين أعضائها… تماما كما قُبر في دهاليز كبار المسؤولين مشروع المركز الوطني للبحث في الرياضيات. 

أما في تونس، ورغم ما يحاك ضدها من مؤامرات ورغم نقص التمويلات فقد أسست عام 2012 مركزا لمرافقة النخب في الرياضيات سمّته “معهد الأبيض المتوسط للعلوم الرياضية”، وهو يقوم بنشاطه على قدم وساق لمواصلة المشوار الذي خطه الأوائل من أمثال محمد الصالح باوندي (1937-2011) وعباس بحري (1955-2016) ورفقاؤهم. فتحية لجميع هؤلاء المناضلين في سبيل رفعة شأن العلم.

وفي تلك الأثناء تقف نخبنا في الداخل والخارج عاجزة أمام باب السياسيين، مكتفية بتبادل التهم وعبارات المواساة التي مفادها أننا نمرّ بأسوأ مرحلة عرفتها الجامعة الجزائرية والبحث العلمي فيها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
20
  • حسين

    نادر مصمودي وليس (نذيير مصمودي الاعلامي الجزائري )

  • بدون اسم

    ويتساءل المرء لماذا هذه الصدارة في هذا المجال ولماذا لا نجد ذكرا لبلدان أخرى؟
    هو سؤال

  • بدون اسم

    bravo professeur

  • محمد

    كل هؤلاء الدكاترة زملاء الدكتور أبو بكر خالد سعد الله ، لايرقون إلى مستوى الدكاترة التونسيون المذكورين في المقال

  • محمد

    أين رياضيينا يا بن غبريت ؟ من ثانوية الرياضيات الجزائرية، أعرف جيدا أ نّ الجزائري الذي يتقن الرياضيات، مغروم بها، بالضبط كما هناك من نظره في كرة القدم، الجزائري الرياضي مشهود له في كل الجامعات، أجزم لو وُضعت ثانوية الرياضيات في يد أمينة لرأينا عجب في إبن الجزائر و مع هذا كله تحية تقدير و إجلال لإخواننا في تونس.

  • جزائري

    من يملك علم الرياضيات يملك امكانية معرفة الاسلام الصحيح الذي لا يتعارض مع المنطق.

  • نورايبك

    لعلى الدين الوحيد على حسب اعتقادي الذي بداء تعاليمه بواحدة من ادوات العلم (...اقراء...) ولكن مازلنا نسمع من يتهم اهل العلم بانهم وانهم ناسيا فضائل اهل العلم على البشرية جمعاء...نتمنى ان تجد الحكومة الجديدة براسة السيد تبون الطريق الصحيح لدعم العلم عامة و البحث العلمي خاصة ...............فالشكر لك استاذ على هذا الموضوع الشيق.

  • نوار

    شكرا استاد
    هده لمحة عن مستوى التعليم عند اشقاءنا .
    غير اني الفت انتباهك الى اسمين اخرين هما
    الاستاد حسين المير يعمل في السعودية وهو اول من طور تمديد (les courants)
    الاستاد هادي دابوسي المشهور في نظرية الاعداد

  • جزائري

    من له الرياضيات له المنطق و له الاسلام الصحيح...
    لاشيء و الفراغ يجعل الانسان يتشبث باي شيء لاثبات الوجود....ينظر يسارا ثم يمينا و لا يجد اي علم في متناول طاقته.... فيتجه الى الدين.
    الاسلام اكبر بكثير عن الانسان الذي ياتي من فراغ.

  • أبو بكر خالد سعد الله

    1. نبهني أحد الزملاء الجزائريين إلى ان النابغة الشاب (ولد عام 1980) محمد أبوزيد من أصل مغربي يعمل بالولايات المتحدة وقد سبق له ان أستضيف لالقاء محاضرة من النوع الذي ذكرناه في مؤتمر 2014... فمعذرة عن هذا الخطأ مني.
    2. إلى صاحب التعقيب 1 : ألاحظ انه لولا علم هؤلاء وامثالهم، وبغض النظر عن معتقداتهم لما تمكنا من التواصل عبر هذه الصفحة.
    3. إلى صاحب التعقيب 7 : كل من ذكرتم يستحقون الاشادة والتنويه فعلا. لكن التفوق درجات فلا نستطيع مقارنة توفق على مستوى بلد بتفوق على مستوى قارة او مستوى العالم.

  • بدون اسم

    الاسلام اهم من الرياضيات . و ما فائدة المنطق ادا كان يبعدك عن الدين

  • بدون اسم

    الاسلام و الشريعة اهم من الرياضيات

  • صايم احمد حسن

    ،للجزائر اسماء بارزة في الرياضيات، منهم:
    1-الشيخ محمد بن قادة اب الرياضيات والذي بقي يدرس لسن ال82 سنة.
    2-البروفيسور مصطفى حركات صاحب الشعرية واللسانيات والرياضيات.
    3-البروفيسور احمد جبار الذي قال عن :الوزارة؛ انها حدث عابر في حياته.
    4-البروفيسور مولاي محمد الصالح من جامعة باب الزوار وابها.
    5-عشرات الدكاترة في الجامعات الجزائرية دمروا بليل من طرف شلل بائرة هامدة كسولة.
    6-البروفيسور عبد الرحمن حاصالح اللساني والرياضي المحنك.
    7-مئات العباقرة من اساتذة التعليم الثانوي ومنهم العبقري المكي داهش.08
    7-

  • سمسوم جلول

    علمانيون يساريون شيوعيون اسلامويون، ما هذا الهراء يا اهل الهراء؟ انها الرياضيات يا هذا تعلمكم المنطق الرصين والبحث الجاد بعيدا عن الضلالات والتضليلن ولبلادنا كفاءات مبهرة دمرتها المجالس الغلمية-من الاغنام- مجالس تعقد للنمائم وكسر الهمم وتدمير الذات وتجسيد الرداءات، بعد الاستقلال، كان للجزائر نخبة في الرياضيات على راسها البروفيسور التوري الذي تقلد منصب مدير الجامعة الوحيدة انذاك اضافة الى البروفيسور عبد المجيد اوعبد السلام مؤسس المدرسة الوطنية متعددة التقنيات التي خرجت النخب.

  • raid

    يفتحون مركز للشطيح والرديح لالهائنا واسكاتنالاننا شعب بهيوف /كلمة عامية كلاب ضالة كثيرة النباح . والبراميل الفارغة تحدث اكثر ضجيجا .40 مليون تمشي على بطونها تزحف تشطح على مؤخرته ورؤوسها *هيب هوب *اما العلم فيجعلنا نسافر بعقولنا في الفضاء واللحاق بركب الامم.عفوا لااستطيع الاقتراح على البهيوف ايداع ثمن قهوة كل سنة وليس كل شهر لصندوق البحث العلمي في جميع المجالات ومنها حتى الفن وليس الشطيح والرديح (رغم اني اعرف انه شعب معطاءيتحايلون عليه عاطفيا دينيا اوسياسيا ) 40مليون*30دج=1200مليون دج

  • جزائري

    تحية تقدير و احترام لاخواننا في تونس على هذا الانجاز العظيم و على هذا التفوق الكبير في علم الرياضيات .رغم التعتيم الاعلامي العربي و العالمي.

  • العربي

    مقال ممتع ومفيد استاذنا الكريم فقط تونس اصبحت قبلتنا ليس للسياحه فقط بل للعلاج والتداوي كذلك وقد يكون هذا دليلا للتطور العلمي عندهم.

  • MCA

    إضافة إلى الاهتمام بالجانب التطبيقي و التقني كمضاعفة المخابر البيداغوجية لأنه من غير المعقول أن نكون نظريا فحسب دون التكوين التطبيقي
    الاهتمام باللغات الأجنبية في تخصصات العلوم الانسانية خصوصا فهذه الأخيرة للأسف هي أحادية اللغة
    إلزام طلبة الدكتوراه و الأساتذة بالنشر في مجلات راقية تابعة للدول التي تفوقنا علما
    إلزامية إتمام البرامج المدرسة ولو تطلب التهديد بالسنة البيضاء فلا يعقل أن نكون طلبتنا بعقلية العتبة
    باختصار لابد أن نتساءل هل نحن نكون أو نسلم شهادات فقط؟
    بدون هذه النقاط نحن بعيدين

  • MCA

    نعم أستاذنا إننا نمرّ بأسوأ مرحلة عرفتها الجامعة الجزائرية والبحث العلمي فيها.! وطبقة العلماء و الباحثين مهمشون !
    فلقد انعقدت الندوة الوطنية حول نظام LMD و التقى فيها الأساتذة والسياسيون وناقشوا مشكلة المستوى و التعليم في ظل نظام LMD ومن بين التوصيات التي خرجت بها : تثمين البحث العلمي و رد الاعتبار لمذكرة التخرج أو الماستر بأن تكون بمثل مقام شهادة الماجستير في نوعية الموضوع ومدة معالجته فاقترج المجتمعون إضافة سنة ليتمكن طالب الماستر من اجراء بحث ذو قيمة علمية محترمة إضافة
    يتبع ...../.....

  • سلفي محب للسلف الصالح و صحا

    اخي العزيز معضم من تكلمت عنهم هم علمانيين و يساندون العلمانية ضد حكم الله .ما فائدة علمهم اذا كان لم يرهم طريق الحق . الأستاذ نذير مصمودي اخبر في مقابلة تلفزيونة انه في اي زمن من ازمان ستبقى العلمانية افضل من اي حكم ديني و الشريعة . يعني علمهم القليل يجعلهم يكفرون بخالق العلم