-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ثقافة التوحُّش في الفكر الصُّهيوني

ناصر حمدادوش
  • 416
  • 0
ثقافة التوحُّش في الفكر الصُّهيوني

من التداعيات الإيجابية الكبيرة لمعركة طوفان الأقصى، هي تعرية الوجه الحقيقي، وفضح الصورة الخادعة للكيان الصهيوني أمام الرأي العام العالمي، لما ارتكبه من مجازر مروِّعة، وانتهاكاتٍ فظيعة، وتدميرٍ وحشي، وإرهابٍ همجي، تجاوز قدرات الخيال أمام استيعاب العقل البشري لها، وهي صورةٌ متواضعةٌ فقط، أمام ديكتاتورية التعتيم الإعلامي الرهيب، الذي لم ينقل أهوال الواقع الإجرامي الفعلي.
واجتهد العدوُّ الصهيوني في استهداف الإعلام والإعلاميين، في محاولاتٍ يائسة لاغتيال الحقيقة، وممارسة السَّادية بعيدًا عن أعين العالم، ومع ذلك فقد اهتزَّ الكون، وانتفضت البشرية عبر المسيرات الشعبية والمظاهرات المليونية في مختلف عواصم العالم، بما فيها الدول الغربية الداعمة لهذه النازية الصهيونية المعاصرة، وهو ما أدى إلى انقلاب الرأي العام العالمي ضدَّ ثقافة التوحُّش، والانتفاضة ضدَّ تجذُّر الفكر الإرهابي المتأصِّل في ثقافة وعقيدة العدو الصهيوني، وقد تجاوز كلَّ الأعراف البشرية، والشرائع السماوية، والقوانين الوضعية، والاتفاقيات الدولية، والقيم الإنسانية.
لقد صدم الإرهاب الصهيوني العقلاء في العالم بتساؤلاتٍ جدِّيةٍ عن الخلفية الدينية والفكرية التي تستند إليها إسرائيل في هذا التوحُّش من دون ضمير، وفي هذا الإجرام بلا حِسٍّ إنساني، والذي فَاقَ كلَّ أبعاد الوصف بكلِّ كلمات لغات العالم ومعانيها، فقد ارتكبت إسرائيل في عدوانها الأخير على غزة خلال 48 يومًا 1384 مجزرة مروِّعة، وألقت 40 ألف طنٍّ من المتفجرات، بما يفوق حجم ثلاث قنابل نووية، على 2.4 مليون نسمة في غزة، والتي لا تتجاوز مساحتها الجغرافية 365 ألف كلم مربّع، وقد وصلت حصيلة هذا الإجرام الصهيوني إلى نحو 15 ألف شهيد (منهم: 6 آلاف طفل، و 4 آلاف امرأة)، ونحو 36 ألف جريح (75% منهم نساء وأطفال)، ونحو 7 آلاف مفقودٍ تحت الأنقاض (منهم 4700 أطفال ونساء)، فهل ثقافة الإرهاب الصُّهيوني، وشيوع فكر التوحُّش لدى إسرائيل عارضٌ، كردِّ فعلٍ على معركة طوفان الأقصى يوم 07 أكتوبر 2023م؟ أم أنه ثقافةٌ متجذرة وعقيدةٌ متأصِّلة في الفكر والممارسة اليومية لهذا الكيان النازي؟
ومع أنَّ العنف والإجرام ظاهرةٌ إنسانيةٌ عامة، لا يخلو منها مجتمعٌ في أيِّ مكانٍ، أو في أيِّ زمان، وذلك لعدة عوامل اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو ثقافية، إلا أنها ظاهرةٌ طارئةٌ ومؤقتة وظرفية ونسبية.
ومع ذلك، فإنَّ الدارسين للشخصية اليهودية عبر التاريخ يؤكدون أنَّ العنف والإجرام متأصِّلٌ فيها، وهو يدخل ضمن تركيبتها البنيوية، والتي تتغذَّى من تعاليم تلمودية عنصرية، وتتشرَّب من معينٍ توراتيةٍ استعلائية، تحوَّلت إلى ثقافة متجذِّرة في الوجدان الصُّهيوني، وهو ما يفسِّر إصرارَهم على الحروب والصراعات، وإدمانَهم على المجازر والجرائم، واستمرارَهم في الظلم والعدوان، وهو ما ينسجم مع الوصف القرآني الدقيق لهم، فهم تجارُ الحروب، ومصاصو الدماء، وأرباب الفساد في الأرض، قال تعالى عنهم: “كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ، وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ” (المائدة:64).
لقد أصبح التوحُّش والإرهاب فكرًا بنيويًّا، عضويًّا، ومؤسَّسيًّا في النسيج الديني والثقافي لإسرائيل، لا تُعرف إلا به منذ احتلال فلسطين سنة 1948م إلى الآن، وهو سلوكٌ شاملٌ ودائمٌ لا تكذِّبه الحقيقة الواقعية، ولا يمكنها التحرُّر من ذلك ولو أرادت، وإلا فإنها تفقد هويتها الإجرامية وطبيعتها الإرهابية، ومن السَّذاجة أن يُنتظر منها خِلافُ ذلك، فلا يُستغرب ما تقوم به إسرائيل من حربٍ دينية، وتطهيرٍ عرقي، وإرهابٍ همجي، ومجازر مروِّعة، وإبادةٍ، وبالتالي فإنَّ العنف والإرهاب والإجرام هي العناوين الرئيسية في مسيرة هذا الكيان الفاشي.
إنَّ هذه الجرائم لا تمارَس على أهل غزة فقط، بل تمارسها في الضفة وأرض 1948، ومارسته من قبل في مصر وسوريا ولبنان، وهي بذلك لا تشكِّل خطرًا على المنطقة فقط، بل على العالم العربي والإسلامي، بل على الإنسانية جمعاء، فما تقوم به يهدِّد السِّلم والأمن العالميين، ولذلك يهتزُّ العالم بأسره لهذه الجرائم الوحشية التي تصدم الضَّمير الإنساني في كلِّ مرة.

 من الأساطير المؤسِّسة للفكر الصهيوني القائم على الإرهاب والإجرام، مقولة “شعب الله المختار”، وهم يتشرَّبونها منذ الصغر من كتبهم الدينية، التي تقول: “لأنك شعبٌ مقدَّسٌ للربِّ إلهك، وقد اصطفاك الربُّ لتكون له شعبًا خاصًّا على جميع الشعوب على وجه الأرض”، فهي تغرس فكرة الاستعلاء على بقية الشعوب، كما في الخطاب التوراتي: “يقف الأجانب، ويرْعَوْن غنمكم، أمَّا أنتم فتُدْعَون كهنة الرَّب، تأكلون ثروة الأمم، وعلى مجدهم تتآمرون”.

وبالرَّغم من ادِّعاءات الطابع العلماني الذي تأسَّست عليه إسرائيل، بفصل الدِّين عن الدولة، ومزاعم الديمقراطية الغربية التي قامت عليها، إلا أنَّ الفكر الديني المتطرِّف، والأساطير التلمودية المحرَّفة هي الموجِّهة للسياسية الصهيونية اتجاه الآخرين، فلا تزال الفتاوى الدينية للحاخامات هي التي تصنع الوعي وتوجِّه الرأي لدى النخب السياسية والأمنية والعسكرية في إسرائيل، ومنها: أخطر الفتاوى التي صدرت يوم 6 مارس 2008م، والتي وقَّع عليها عددٌ من كبار الحاخامات اليهود الذين يشكِّلون ما يُعرف باسم “رابطة حاخامات أرض إسرائيل” برئاسة الحاخام “دوفليئور”، والتي أباحت للجيش الإسرائيلي قصف التجمُّعات السكانية الفلسطينية من دون تمييز، فهي تتضمن مسوغاتٍ فقهية “تسمح بقتل غير اليهود، سواء كانوا رجالاً أو نساءً أو أطفالاً وفق الشريعة اليهودية”، فهي الثقافة الدينية التي تؤدّي دورًا خطيرًا في الدفع نحو التطرُّف الديني والسِّياسي لهذا الكيان الإجرامي.
ومن الأساطير المؤسِّسة للفكر الصهيوني القائم على الإرهاب والإجرام، والمنسوبة زورًا إلى كتبهم المقدَّسة: التوراة والتلمود، والتي لها تأثيرٌ هائلٌ على تكوين الثقافة الوحشية للصهاينة، سواءٌ في نظرتهم إلى أنفسهم، أو في نظرتهم إلى غيرهم، مقولة “شعب الله المختار”، والتي يتشرَّبونها منذ الصغر من كتبهم الدينية، التي تنصُّ صراحةً، فتقول: “لأنك شعبٌ مقدَّسٌ للربِّ إلهك، وقد اصطفاك الربُّ لتكون له شعبًا خاصًّا على جميع الشعوب على وجه الأرض”، فهي تغرس فكرة الاستعلاء على بقية الشعوب، كما في الخطاب التوراتي: “يقف الأجانب، ويرْعَوْن غنمكم، أمَّا أنتم فتُدْعَون كهنة الرَّب، تأكلون ثروة الأمم، وعلى مجدهم تتآمرون”، فهم يعتقدون أنَّ الاعتداء عليهم هو اعتداءٌ على الرَّب، وهو ما يبرِّر لهم الحقَّ المطلق في ردِّ الفعل الوحشي، بسبب نظرتهم إلى الآخرين على أنهم “وحوشٌ بشرية”، وهو ما ينسجم مع ما صرَّح به وزير الحرب الإسرائيلي “غالانت” مؤخَّرًا، في بداية العدوان على غزة، قائلاً: “نفرض حصارًا كاملاً على غزة، لا كهرباء، ولا طعام، ولا ماء، ولا وقود، كلُّ شيءٍ مغلق، نحن نحارب حيواناتٍ بشرية، ونتصرَّف وفقًا لذلك”.
إنهم يعتقدون بأنَّ كلَّ يهوديٍّ يتمتع بمقدِّماتٍ نبوية، وأنهم يشعرون بأنهم ارستقراطية التاريخ، وحسب نبيِّهم المعاصر “ثيودور هرتزل” فإنَّ جنسهم أكثرُ فاعليةٍ في كلِّ شيء من باقي شعوب الأرض، وقد قال “بن غوريون” أول رئيس وزراء هذا الكيان العنصري: “إنني أؤمن بتفوُّقنا الخِلقي والفكري، إذ يُستخدم نموذجًا لإصلاح الجنس البشري”.
كلُّ ذلك يفسِّر هذه التطبيقات الوحشية لهذا الفكر العنصري القومي الاستعلائي، فلا تقف على حدودٍ أو سقفٍ لهذا التوحُّش الإجرامي، وملفُّ إسرائيل مفتوحٌ بلا حدودٍ على التوحُّش، ولم تكن الأدبيات الفكرية والمنطلقات الأيديولوجية للسياسة الصهيونية المتطرِّفة إلا فائضٌ من تفريخ الممارسات الإرهابية، والخطط الإجرامية الشاملة.
إنَّ هذا الكمَّ الهائل من الثقافة الإجرامية والفكر الاستعلائي للصهاينة، المتماهي مع الفكر السياسي العنصري لإسرائيل، والأبعاد المتعلقة بالتطبيقات الإرهابية والدموية التدميرية لها، تجعل الطبيعة الخالصة فيها تتكثف بشكلٍ نظريٍّ وعمليٍّ في أرقى وأخطر المشاهد الدموية التي تُقترف على مدار عقودٍ من الاحتلال، إلا أنها ستكون هي التي تؤشِّر على زوالها، فما بعد القمَّة إلا السُّقوط.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!