-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جامعاتٌ عالمية في الصدارة بجهد باحثين جزائريين!

محمد بوالروايح
  • 1226
  • 0
جامعاتٌ عالمية في الصدارة بجهد باحثين جزائريين!

كثُر الحديث عن تذيل الجامعات الجزائرية للترتيب في التصنيف العالمي للجامعات إلى حدٍّ يشبه الشماتة في جامعاتنا والاستهانة بطاقاتنا والنكاية بكفاءاتنا العلمية، وهو ما لا نقبله بأي حال من الأحوال لأننا ثمرة هذه الجامعات، ولا نرضى أن تكون مادة للتهكم الإعلامي الذي تمارسه بعض الجهات ويعينهم على ذلك بعض المسلوبين فكريا الذين لا يسهمون بشيء في الجهد الوطني لتحسين وضع الجامعة الجزائرية ويرضون في المقابل أن يكونوا أقلاما وأبواقا للإعلام المتهكِّم.

تابعتُ حوارا مع أحد الباحثين الجزائريين الذي يدير كلية كبيرة من كليات العلوم في إحدى الدول الخليجية، وبقدر ما راقتني موضوعيتُه العلمية في تحليل خريطة البحث العلمي في الجامعات على المستوى العالمي، فقد آلمتني طريقتُه في الحديث عن البحث العلمي في الجامعات الجزائرية؛ إذ ذكر أن حصيلته صِفرية مقارنة بما هو موجودٌ في الجامعات الغربية وبعض الجامعات العربية.

وقد أرجع هذا الباحث أسباب تدني البحث العلمي في الجامعات الجزائرية إلى عدة عوامل منها، أنه ليس هناك سياسةٌ واضحة المعالم للبحث العلمي في الجزائر، ومنها أيضا قلة نسبة الإنفاق على البحث العلمي في الجزائر مقارنة ببعض الدول العربية.

من حق هذا الباحث أن ينتقد بكل أريحية سياسة البحث العلمي في الجزائر، ومن حقه أن يبدي رأيه بكل حرية بشأن الحصيلة الهزيلة للبحث العلمي في الجامعات الجزائرية، ولكن من واجبه أيضا أن يحلل أهم الأسباب التي دفعت إلى هذه الانتكاسة في مجال البحث العلمي، وفي مقدمتها هجرة الأدمغة الجزائرية لأسباب بعضها سياسي محض وبعضها الآخر مادي بحت، فهذه المشكلة وتراكماتها سبّبت نزيفا في الجامعات الجزائرية التي لا يمكن أن يتحسّن ترتيبها في التصنيف العالمي للجامعات وهي تفقد كل سنة أحسن باحثيها وأفضل إطاراتها.

لست راضيا ككثيرين غيري عن سياسة البحث العلمي في الجزائر وعن الارتجالية التي توضع وتدار بها مشاريع البحث العلمي، ولست راضيا ككثيرين غيري أيضا عن بعض الشخصيات التي يعهد إليها إدارة الجامعات ومراكز البحث العلمي والتي بينهم من ليس له من منتوج علمي إلا شهادات التخرُّج التي رفع بها الحرج وضمن بها منصبا في أعلى هرم الجامعة، ولست راضيا ككثيرين غيري أيضا عن خريطة البحث العلمي التي لا تستند في غالبها إلى مخططات علمية مدروسة.

إن تدني البحث العلمي في الجامعات الجزائرية مشكلة تتحمل وزرَها جهاتٌ ستّ أود أن أبعث إليها بهذه الرسائل لعلها تراجع سياستها وتحزم أمرها وتعي رسالتها:

– رسالتي الأولى: أوجهها إلى ولاة الأمور سواء كانوا في مراتب أعلى أو مراتب أدنى في هرم السلطة أن يتبنوا التوصيات التي تمخضت عنها مختلف الورشات التي عُقدت لإصلاح الجامعة الجزائرية وأن تكون بداية هذا الإصلاح من تقرير زيادة معتبرة في ميزانية البحث العلمي لأن من شأن هذه الزيادة أن تحرر جامعاتنا ومراكزنا البحثية من التبعية للجامعات ومراكز البحث الأجنبية ومن شأنها أيضا أن تستجيب لمتطلبات البحث العلمي المتزايدة، وعلاوة على ذلك فإن زيادة الإنفاق على البحث العلمي ضرورة تقتضيها التحديات المعاصرة التي نعيشها، فنحن نعيش في عالم يمثل فيه الابتكار العلمي السلاح الأحدّ في معركة إثبات الذات. حسب مرصد “الألسكو”، فإن منحنى تطور نسبة نفقات البحث والتطوير من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية لم يصل بعد إلى مستويات مرضية رغم التباين الحاصل في ذلك بين الدول العربية، ولا تتعدى هذه النسبة في الجزائر حدود 0.54، وهي نسبة ضئيلة وضعيفة لا يمكنها النهوض بالبحث العلمي.

– رسالتي الثانية: أوجهها إلى وزارة التعليم العالي أن تتبنى موقفا صارما ومنهجا صريحا في مراقبة الاعتمادات المالية الموجهة للبحث العلمي وأن تضع حدا لعقلية الريع وثقافة “البايلك” وظاهرة تبديد المال العامّ في ملتقيات وتربصات علمية لا يحقق أغلبُها شيئا ذا بال من أهدافها المسطرة ولا يسهم أغلبُها بالقدر الكافي في التنمية الوطنية. ورسالتي أيضا إلى وزارة التعليم العالي أن تعتمد على معايير دقيقة في اختيار رؤساء المؤسسات الجامعية ومراكز البحث العلمي ممن يمتلكون مخططا حقيقيا لتطوير البحث العلمي، ورسالتي أيضا إليها أن تراقب سير وتطبيق الاتفاقيات المختلفة التي تعقدها الجامعات ومراكز البحث مع الجامعات ومراكز البحث العلمي الأجنبية؛ فأغلب هذه الاتفاقيات يستفيد منها الطرفُ الآخر ولا يستفيد منها الطرف الجزائري، وينبغي تصحيح هذه المعادلة بما يخدم مصلحة الجامعة الجزائرية.

– رسالتي الثالثة: أوجهها إلى الباحثين الجزائريين في الجامعات ومراكز البحث العلمي في القارات الخمس أن يجعلوا مساهمتهم في تطوير البحث العلمي في الجامعة الجزائرية شكلا من أشكال النضال الوطني وأن يتنازلوا عن بعض الامتيازات لصالح وطنهم. إننا نعقد آمالا كبيرة على استجابة نسبة معتبرة من باحثينا في الخارج لهذا النداء الوطني لأننا نأنس منهم روحا وطنية صادقة تضع الوطن فوق كل اعتبار. لقد سُررنا كثيرا من موقف بعض الباحثين الجزائريين ممن هُمِّشوا في جامعاتهم في فترة من الفترات والتحقوا بالجامعات العالمية كيف دفعتهم الوطنية إلى الاستجابة السريعة لنداء وطنهم واستعدادهم لوضع صفوة تجاربهم واختراعاتهم تحت تصرُّف الدولة الجزائرية. هذا هو الموقف الوطني الذي نتمنى أن يقفه كل باحثينا في الجامعات العالمية وشعارهم في ذلك: “بلادي وإن جارت عليَّ عزيزة وأهلي وإن ضنّوا عليَّ كرامُ”. إن الطفرة العلمية التي حدثت في اليابان إنما هي نتاج العقول اليابانية التي يفضِّل أغلبها العمل في اليابان على العمل خارجها، وعلى باحثينا أن يقفوا مع الجامعات الوطنية هذا الموقف الذي يُحسب لهم ويكون عملا وطنيا يخلد أسماءهم ويرفع ذكرهم.

-رسالتي الرابعة: أوجهها إلى مخابر البحث العلمي أن تتفرغ للأعمال البحثية الجادة والجيدة التي تسهم بشكل حاسم في تطوير البحث العلمي في الجامعات الجزائرية، وأن يوقفوا كل الأعمال والفِرق البحثية الموجهة للترقية في الدرجات وليس لها أثرٌ في تنمية الخبرات وترقية المهارات. لقد بلغنا رقما كبيرا في عدد مخابر البحث العلمي وهذا مؤشر جيد، ولكن العبرة بالحصيلة البحثية وليس بالحصيلة العددية. إننا نتساءل في هذا الصدد عن مصير البرنامج الوطني للبحث PNR الذي وُضع قبل سنوات؛ هل حقق أهدافه؟ أم هو حبيس الأدراج تأكله الإرَضَة كما أكلت المشاريع البحثية التي سبقته؟.
-رسالتي الخامسة: أوجهها إلى المديرية العامة للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي بوزارة التعليم العالي أن تفعِّل بنك المعلومات الخاص بالباحثين الجزائريين في داخل الوطن وخارجه وأن تستنفرهم للقيام بدورات تدريبية على البحث العلمي لصالح الباحثين الجزائريين في الجامعات الوطنية، وأن تستعين بخبرتهم في تنمية تقنية تحصيل براءات الاختراع في المجالات العلمية المختلفة.

-رسالتي السادسة: أوجهها إلى الإعلام الوطني بكل قنواته وبكل أشكاله أن يحرص على التعريف بنجوم الفكرة تماما كما يحرص على التعريف بنجوم الكرة، ورسالتي إلى مديرَيْ الإنتاج في القنوات الإعلامية الجديدة كقناة “المعرفة” وقناة “الذاكرة” وغيرهما أن يستنفروا النخبة العلمية لتنوير الرأي العام بالجديد في عالم الإبداع والاختراع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!