الرأي

جريمة تزييف التّاريخ؟

رشيد ولد بوسيافة
  • 3188
  • 5

عندما‮ ‬يقول المجاهد لخضر بورڤعة إنّ‮ ‬التّاريخ لم‮ ‬يكتب بنزاهة ودقّة،‮ ‬وأنّ‮ ‬المؤرخين اهتموا بالأحداث الكبرى في‮ ‬الثورة التحريرية كأول نوفمبر ومؤتمر الصّومام وتشكيل الحكومة المؤقتة والمفاوضات والاستقلال،‮ ‬ولم‮ ‬يعطوا أهمية كبيرة لباقي‮ ‬أحداث الثّورة خصوصا تلك التي‮ ‬كانت تدور في‮ ‬القرى والأرياف والجبال،‮ ‬عندما‮ ‬يقول ذلك فهو‮ ‬يدرك عظم الجرم الذي‮ ‬ارتُكِبَ‮ ‬في‮ ‬حق تاريخنا القريب‮.‬

‭ ‬ماذا لو كان لغيرنا من الشّعوب مثل الثّورة التحريرية؟ هل كان تاريخها سيكتب بالطريقة التي‮ ‬فعلنا نحن؟‮ …‬أعمال أكاديمية محتشمة،‮ ‬وأفلام تعد على أصابع اليد،‮ ‬وكتب ومطويات تتناول أحداث الثورة بنزعة‮ “‬تقديسية‮” ‬ترفع بعض قادة الثّورة إلى درجة فوق درجة البشر وتسكت عن البعض الآخر‮..‬

لقد تبلور على مدار السنوات السابقة توجهان متناقضان في‮ ‬تناول أحداث الثورة،‮ ‬الأول تقديسي‮ ‬شمولي‮ ‬رسمي‮ ‬يقدم الثورة وأحداثها في‮ ‬قوالب جاهزة،‮ ‬وحول المناسبات الوطنية إلى محطات فلكلورية فارغة من أي‮ ‬محتوى،‮ ‬أمّا التّوجه الثّاني‮ ‬فهو توجه‮ ‬يسير في‮ ‬الاتجاه المعاكس تماما،‮ ‬يشكك في‮ ‬كل شيء،‮ ‬ويسوّد كل شيء،‮ ‬بل إنّ‮ ‬البعض‮ ‬يصوّر المجاهدين كعصابات كانت تتصارع على السلطة،‮ ‬وينفخ في‮ ‬الخلافات التي‮ ‬حدثت في‮ ‬بعض الولايات ويضخمها بالشكل الذي‮ ‬يسيء إلى الثورة ورجالها‮.‬

ولعل موجة المذكرات التاريخية الصادرة عن بعض قادة الثورة‮ ‬غذت التوجه الثاني،‮ ‬والذنب ليس ذنب قادة الثورة،‮ ‬ولكن المشكلة في‮ ‬كون هذه المذكرات تطرقت إلى وقائع وأحداث مسكوت عنها،‮ ‬وتناولت بشكل خاص الخلافات التي‮ ‬حدثت بين قادة الثورة،‮ ‬مما شكل تحولا كبيرا في‮ ‬طريقة التعامل مع الثورة ورجالها،‮ ‬أي‮ ‬الانتقال من التقديس المطلق إلى التشكيك في‮ ‬السلوكات والنوايا‮.‬

لقد آن الأوان أن‮ ‬يستلم الجيل الجديد من المؤرخين والفاعلين في‮ ‬مجال الإنتاج الفني‮ ‬والقائمين على المناهج التربوية والتعليمية الكمّ‮ ‬الهائل من الشّهادات،‮ ‬والذي‮ ‬قال عنه مدير المتحف الوطني‮ ‬للمجاهد إنه‮ ‬يفوق أربعة آلاف شهادة حية على لسان مجاهدين كان لهم دور أثناء الثورة،‮ ‬ويعيدوا صياغة التاريخ على أسس موضوعية بعيدا عن الخصومات التي‮ ‬كان لها دور في‮ ‬تزييف التاريخ بطريقة أو بأخرى‮.‬

ولعل مرور‮ ‬60‮ ‬سنة كاملة على اندلاع الثورة التحريرية مدة كافة لتجاوز الحساسيات،‮ ‬والشروع في‮ ‬إعادة كتابة التاريخ الحقيقي‮ ‬بعيدا عن التقديس والتشويه والتضخيم والتقزيم والالتفاف حول الحقيقة،‮ ‬لأن تزييف التاريخ جريمة في‮ ‬حق الأجيال المقبلة التي‮ ‬من حقها الاطلاع على الحقيقة بكل تفاصيلها‮.‬

مقالات ذات صلة