جريمة تزييف التّاريخ؟
عندما يقول المجاهد لخضر بورڤعة إنّ التّاريخ لم يكتب بنزاهة ودقّة، وأنّ المؤرخين اهتموا بالأحداث الكبرى في الثورة التحريرية كأول نوفمبر ومؤتمر الصّومام وتشكيل الحكومة المؤقتة والمفاوضات والاستقلال، ولم يعطوا أهمية كبيرة لباقي أحداث الثّورة خصوصا تلك التي كانت تدور في القرى والأرياف والجبال، عندما يقول ذلك فهو يدرك عظم الجرم الذي ارتُكِبَ في حق تاريخنا القريب.
ماذا لو كان لغيرنا من الشّعوب مثل الثّورة التحريرية؟ هل كان تاريخها سيكتب بالطريقة التي فعلنا نحن؟ …أعمال أكاديمية محتشمة، وأفلام تعد على أصابع اليد، وكتب ومطويات تتناول أحداث الثورة بنزعة “تقديسية” ترفع بعض قادة الثّورة إلى درجة فوق درجة البشر وتسكت عن البعض الآخر..
لقد تبلور على مدار السنوات السابقة توجهان متناقضان في تناول أحداث الثورة، الأول تقديسي شمولي رسمي يقدم الثورة وأحداثها في قوالب جاهزة، وحول المناسبات الوطنية إلى محطات فلكلورية فارغة من أي محتوى، أمّا التّوجه الثّاني فهو توجه يسير في الاتجاه المعاكس تماما، يشكك في كل شيء، ويسوّد كل شيء، بل إنّ البعض يصوّر المجاهدين كعصابات كانت تتصارع على السلطة، وينفخ في الخلافات التي حدثت في بعض الولايات ويضخمها بالشكل الذي يسيء إلى الثورة ورجالها.
ولعل موجة المذكرات التاريخية الصادرة عن بعض قادة الثورة غذت التوجه الثاني، والذنب ليس ذنب قادة الثورة، ولكن المشكلة في كون هذه المذكرات تطرقت إلى وقائع وأحداث مسكوت عنها، وتناولت بشكل خاص الخلافات التي حدثت بين قادة الثورة، مما شكل تحولا كبيرا في طريقة التعامل مع الثورة ورجالها، أي الانتقال من التقديس المطلق إلى التشكيك في السلوكات والنوايا.
لقد آن الأوان أن يستلم الجيل الجديد من المؤرخين والفاعلين في مجال الإنتاج الفني والقائمين على المناهج التربوية والتعليمية الكمّ الهائل من الشّهادات، والذي قال عنه مدير المتحف الوطني للمجاهد إنه يفوق أربعة آلاف شهادة حية على لسان مجاهدين كان لهم دور أثناء الثورة، ويعيدوا صياغة التاريخ على أسس موضوعية بعيدا عن الخصومات التي كان لها دور في تزييف التاريخ بطريقة أو بأخرى.
ولعل مرور 60 سنة كاملة على اندلاع الثورة التحريرية مدة كافة لتجاوز الحساسيات، والشروع في إعادة كتابة التاريخ الحقيقي بعيدا عن التقديس والتشويه والتضخيم والتقزيم والالتفاف حول الحقيقة، لأن تزييف التاريخ جريمة في حق الأجيال المقبلة التي من حقها الاطلاع على الحقيقة بكل تفاصيلها.