الرأي

جزيرة الموت!

جمال لعلامي
  • 5827
  • 30

قناة “الأخبار العاجلة” خافت على المشاعر الإنسانية المرهفة للسادة المشاهدين، فقرّرت الامتناع عن نشر الصور والفيديوهات المتعلقة بجريمة تولوز الفرنسية، وذلك استجابة لرغبة نيكولا ساركوزي، لكن بالمقابل وفي نفس الوقت، فإن نفس المصدر، يرى أن نقل الصور البشعة والفيديوهات الصادمة عن الاقتتال في سوريا، عمل مهني واحترافي، وتمكين المشاهد والرأي العام من حقه في الإعلام!

يا سلام على هذه الإزدواجية والحربائية والتمييز والمفاضلة في التعامل الإعلامي مع الأحداث والتغطيات الإعلامية لها، فالدماء في فرنسا “غالية”، لكن دماء العرب والمسلمين في سوريا ومصر وتونس وليبيا وأفغانستان والعراق والسودان “رخيصة”، والرأي العام في فرنسا “مرهف العواطف”، لكنه في البلدان الأخرى “بلا عواطف”، ومن الضروري وخزه بالمشاهد الصادمة والمؤلمة!

كم تألم المشاهدون لتلك الصور البشعة وغير الإنسانية التي نقلتها قنوات الفتنة وصبّ البنزين على النار، عن الاقتتال بين الأشقاء الفرقاء في ليبيا وسوريا، وقبلهما في العراق، حيث تمّ ضمان البث المباشر لإعدام الرئيس العراقي صدام حسين، في عيد الأضحى، فكان نحرا لكلّ العرب والمسلمين، دون مراعاة مشاعرهم في عيدهم المقدّس!

لقد ضمنت قنوات “الاحترافية” النقل المباشر لإلقاء القبض على الزعيم الليبي السابق معمّر القذافي، وكذلك نقلت بكلّ دقة فصول تعذيبه واغتياله والتنكيل بجثته، دون أن تفكر في عواطف عائلته على الأقل!

لقد ضمنت نفس المهنية” بث صوّر المجازر الوحشية في حق المدنيين العراقيين خلال حرب الخليج الأولى والثانية، ومذابح إسرائيل في لبنان وغزة، وكان كلّ ذلك تحت غطاء نقل الحقيقة كما هي” ودون تحريف أو تزييف!

لقد نقلوا مشاهد الإرهابيين في الجزائر وهم ينكلون بضحاياهم المسلمين ويقطعون رؤوسهم وينثرون أشلاء الأبرياء والعزل، دون أن يُراعوا مشاعر عائلاتهم وشعور الجزائريين وكل المسلمين الذين يكفرون بالتنكيل بالجثث وترويع الآمنين!

بعد كلّ هذا وغيره، صدّقوا أو لا تصدّقوا، نفس “الاحترافية” تخفي فيديوهات تولوز “بكلّ مهنية، حتى لا تؤثر على مشاعر حفنة من “اليهود” في فرنسا وغيرها، وحتى إن تعلق الأمر بجريمة لا تغتفر ويجب إدانتها قلبا وقالبا، لماذا تختلف يا ترى الجرائم والمجرمين عند غلاة صيد كلّ شاردة وواردة؟ ولماذا تدعو إلى الحوار والتصالح هنا، وتحرّض على الحقد والاقتتال هناك؟

نعم، في الأمر إنّ وأخواتها، فالتركيز على دماء وجثث العرب والمسلمين، تحوّل إلى هواية يتلذّذ ويتسلى بها تجار الموت والمحن، ولذلك لا غرابة في تهويل الأوضاع في سوريا وليبيا والتقليل منها وتعتيمها في فرنسا وغيرها من البلدان التي يبدو أنها “حليف وشريكلسلطة الظل التي تقف وراء “المحترفين” وتموّنهم وتموّلهم وتحرّكهم أيضا بمهماز غمّاز لمّاز!

لقد كان الأمر مفضوحا، عندما ركزت قنوات “التخلاط” مراسليها واستديوهاتها وأخبارها وفيديوهاتها، على “الربيع العربي”، لكنها تحوّلت إلى “شاهد ما شافش حاجة” عندما هبت رياح هذا الربيع” على بريطانيا وتل أبيب، بل وتورطت في إخماد نيرانه بتحويل الأنظار نحو بلدان عربية تحوّلت إلى مادة إعلامية دسمة منذ أكثر من سنة!

عندما يتعلق الأمر بسوريا مثلا، فإن صور الهواة وفيديوهات اليوتيوب وحتى الفيديوهات المركبة والمفبركة، تصبح كافية ومقنعة لبث برامج وحصص على مدار 24 ساعة، لكن عندما يتعلق الأمر بفرنسا ساركو، فإن فيديوهات تولوز تختفي فجأة وتحال على خزانة “سرّي للغايةلطمس الحقيقة طبعا

مقالات ذات صلة