-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جعبوب يدخل حربا ضد العولمة

عابد شارف
  • 5182
  • 0
جعبوب يدخل حربا ضد العولمة

المنظمة العالمية للتجارة في خطر… إن هذه المنظمة التي ترمز إلى الرأسمالية المتعفنة، أصبحت مهددة بالانهيار. إن أنصار المنظمة أصبحوا يخجلون ويتخوفون من زوال كيانهم، وأعضاؤها يتسارعون للبحث عن حلول، لعلهم ينقذون ما يمكن إنقاذه. وانتهى عهد الليبرالية المتوحشة التي كانت تهدد باكتساح العالم، بينما برزت قوى جديدة تطمح إلى أن تصبح صاحبة الأمر والنهي في السوق العالمية.

  • ولم تأت هذه المفاجأة وحيدة، إنما رافقتها مفاجأة ثانية، حيث أن التهديد الذي يبشر بالقضاء على المنظمة العالمية للتجارة لم يكن نتيجة للأزمة المالية، ولا لما سيترتب على الاقتصاد العالمي بسبب الأزمة المالية. كما أنه ليس من المنتظر أن تنتهي المنظمة العالمية للتجارة بسبب القروض المزورة، ولا بسبب انهيار أسعار النفط. ولن تموت المنظمة بسبب تراجع قيمة الدولار، ولا بسبب انهيار البورصات، ولا بسبب موجة البطالة التي ستجتاح العالم في السنة القادمة، ولا حتى بسبب ثورة شعبية عارمة تقودها السيدة لويزة حنون.
  • إن المنظمة العالمية للتجارة مهددة بسبب الهجوم العنيف الذي شنه ضدها وزير التجارة الجزائري، السيد الهاشمي جعبوب. فقد قال الوزير، وبكلام صارم، إن الجزائر لن تقدم تنازلات جديدة للمنظمة ابتداء من الآن. وأكد الوزير أن العهد الذي كانت الجزائر تستجيب لصندوق النقد الدولي، وترضخ لأوامر البنك العالمي، وتخضع للضغوط الخارجية قد ولى. إننا في عهد الوطنية الاقتصادية، لأن الجزائر قد استعادت مكانتها وعزتها، وهي مستعدة لمواجهة كل التحديات. وابتداء من الآن، فإن المنظمة العالمية للتجارة هي التي ستخضع لشروط الجزائر، لا العكس.
  • وبطبيعة الحال، لا أحد يعرف على أي منطق يرتكز هذا الكلام، ولا كيف يتوصل عضو في الحكومة إلى مثل هذه التصريحات. لكن هذه من خصوصيات الجزائر، تلك الخصوصيات التي تدفع وزيرا إلى القول بافتخار إن الجزائر حققت فائضا تجاريا يبلغ 40 مليار دولار، مع العلم أن البلاد لا تبيع إلا المحروقات. وكيف يمكن لوزير أن يفتخر بحصيلة الجزائر الاقتصادية بعد عشر سنوات، مع العلم أن الصادرات خارج المحروقات بقيت تقريبا في نفس المستوى، بينما عرفت الواردات ارتفاعا يقارب 250 بالمائة؟
  • وقد قال الوزير جعبوب بافتخار إن الصادرات من غير المحروقات ستقترب هذه السنة من مستوى مليارين من الدولارات. لكن هل يعرف الوزير أن هذا المبلغ لا يغطي واردات الجزائر من السيارات؟ هل يعرف أنه يبلغ ثلث الواردات من المواد الغذائية؟
  • وكان من المنتظر، ومن المنطقي، أن يتبنى السيد جعبوب تصريحات تذهب في الاتجاه المعاكس تماما. وذلك لسبب بسيط جدا: إن البلدان التي تنتمي إلى المنظمة العالمية للتجارة هي البلدان التي استطاعت أن تقيم نظاما اقتصاديا قويا. وعليه، من المفروض أن الجزائر تحاول أن تتبنى نفس القواعد ونفس النظام الاقتصادي الذي سمح لتلك البلدان أن تصبح قوية، وأحسن طريق لذلك هو الاقتراب أكثر من تلك البلدان للتعرف عليها. ماذا فعلت تلك البلدان؟ في أية ميادين استثمرت؟ ما هي الآليات الاقتصادية التي سمحت لها أن تتقدم؟ كيف تعاملت مع المدرسة والجامعة والمؤسسة الاقتصادية؟
  • لما نطرح هذه الأسئلة، ونجيب عنها، ونحتك مع تلك الدول، سنتعلم كيف نعمل وكيف ننتج وكيف نتحايل لندخل الأسواق. وفي انتظار ذلك العهد، من الأفضل أن نبقى متواضعين، ونتصرف مثلما يفرضه علينا واقعنا: نحن بلد لا نعرف كيف ننتج ولا كيف نبيع في السوق العالمية.
  • ومن جهة أخرى، لا شيء يدفع السيد جعبوب إلى إعلان حرب ضد الطاحونات، وذلك لأن دخول منظمة التجارة العالمية يبقى خيارا سياسيا. ولا أحد يفرض على الجزائر أن تنضم إليها أو أن تبقى خارجها. ويبقى هذا الخيار مرتبطا بقرار جزائري، وعلى الجزائر أن تتخذ قرارها حسب ما يراعي مصالحها. والسيد جعبوب هو الذي اختار أن يتفاوض لدخول المنظمة، وهو يعرف جيدا قواعدها. إن أراد أن يتعلم، فعليه أن يفهم لماذا تطلب المنظمة من الجزائر أن تقوم بهذه المبادرة أو تلك، وعليه أن يقوم بالإصلاحات الضرورية التي تسمح للاقتصاد الوطني أن يستفيد من المنظمة العالمية للتجارة دون أن يخسر الكثير، مثلما حدث مع تطبيق اتفاق الشراكة مع المجموعة الأوربية.
  • ويمكن للجزائر أن تستخلص العبرة من بلدان أوربا الشرقية التي انضمت إلى المجموعة الأوربية. إن تلك البلدان قامت بالإصلاحات الضرورية التي سمحت لها بمواكبة الركب، وأصبحت بولونيا وسلوفانيا مثلا بلدانا متقدمة تنافس فرنسا وألمانيا بعد فترة قصيرة. وتحققت تلك النتيجة لأن هذه البلدان لم تندد بالاتحاد الأوربي، إنما استفادت من الدرس، وقامت بما هو ضروري للالتحاق بالركب.
  • لكن مثل هذه التحولات تبقى من مميزات البلدان التي تتحرك وتبادر، لا من مميزات البلدان التي تعتقد أنها تحارب العولمة، في حين أنها في الحقيقة تحارب نفسها لتبقى خارج التاريخ.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!