الرأي

جمعية العلماء: عظمت وما هرمت

عبد الرزاق قسوم
  • 3083
  • 0

هي –في الجزائر- أم المؤسسات، وأولى الجمعيات، وأس المرجعيات، والسابقة إلى الإصلاح بالخيرات. هي شاهدة في التاريخ على كل حدث، ومطهرة، بمنهجها ومقصدها، عن كل خبث، وسامية بجد علمائها وإخلاصهم عن كل عبث.ولئن بلغت العقد التاسع من عمرها، فإنها على العكس من عمر الإنسان، ما زادها ذلك إلا نضجاً وصفاء، ووهبها سخاء وعطاء، ووشحها عزماً وإباء.

لقد أسست على التقوى من أول يوم، فكانت الخيمة الفسيفسائية، التي احتضنت كل الأطياف، ووعتْ من الأفكار كل الأصناف، وضمت في صفوفها المذاهب الوطنية، من مالكية، وإباضية، وأحناف.

سبحان الذي وهب الجزائر جمعية العلماء، فكانت للجزائريين، المنهج التغييري الذي أصلحوا به العقيدة، وثبتوا به الأفكار الوطنية الرشيدة، وكوّنوا الجيل بالتربية الإسلامية السديدة.

لقد راهن البعض من صغار النفوس، وفارغي الرؤوس، والحاملين للاتجاه المعكوس، راهنوا على اضمحلال الجمعية، بفعل عامل الزمن، غير أنها كبرت، وما هرمت، وقوي عزمها وما وهنت، وامتد إشعاعها وما ضعفت ولا خفتت.

لم تثنها المكائد والمناورات عن دورها الرائد الفعال، فتصدت لكل ذلك بصدق الأقوال وحسن الفعال، فكانت الصخرة الصلبة، التي تحطم عليها كيد الكائدين، ومكر الحاقدين، ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين.

تعاقبت على حمل مشعل الجمعية أيد طاهرة، وعقول ماهرة، كانت كلها ساهرة على حسن الأداء، ونبل العطاء، من أجل ما تهدف إليه الجمعية، من إرساء أسس البناء، ونشر محبة التسامح والإخاء، والتمكين للنمو الوطني والإعلاء.

واليوم، وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين تحيي ذكرى تأسيسها، السادس والثمانين، فإنها تتيه فخراً واعتزازاً، إذ تعلق على جبينها وسام الانتماء، والوفاء للماهدين من العلماء، وتتصدى للحاقدين على الجمعية، من الجهلة الجبناء، والانتهازيين الدخلاء.

كما تجدد الجمعية، العهد على مواصلة المعركة التغييرية التي ندرت نفسها لها من أول يوم، وهي إعادة الشعب الجزائري إلى ذاته الحضارية الأصيلة، وهي المعركة المحفوفة بمختلف أنواع التحديات، ومن التحديات التي وعتها جمعية العلماء، محاولة تغريب العقل الجزائري وخاصة العقل الجديد، وإبعاده عن أصوله العربية الإسلامية.

فلا يزال العقل الجزائري، بعد عقود كثيرة من استعادة استقلاله، لا يزال يعاني الاغتراب بشتى ألوانه، في محاولات شيطانية للتشكيك في انتمائه، وزرع الذبذبة في نفوس ناشئته من طرف أعدائه.

فهذا العدوان السافر على مظاهر ثقافتنا، كطمس معالم عربيتنا على الجدران، وفي اللسان، وكاستئصال مظاهر حضارتنا وعقيدتنا، من المنهاج المدرسي ومن الامتحان، وكزرع العنف بين صفوف أبنائنا، بدء بالأسرة، وانتهاء بقبة البرلمان. إن هذه المظاهر، إن هي إلا أعراض خطيرة تنخر جسم أمتنا، وتهدد كيانها ووجودها بالتشكيك والذبذبة.

وإنها للمعركة السلمية الإصلاحية التي جندنا أنفسنا في جمعية العلماء لخوضها، 

“حتى يعود لقومنا     من مجدهم ما قد ذهب”

وجمعية العلماء، في عملها الدؤوب هذا، لتشعر بالاعتزاز، إذ ترى تفاعل وتجاوب القوى الحية من الأمة، عبر مختلف الولايات، تهب لتأييد الجمعية في خطتها.

فهذه المظاهر من التأييد التي نلمسها في كل ناحية من نواحي الوطن الجزائري، من الإعراب عن الاستعداد، وتقديم يد العون بالإقبال على فتح المدارس، تحت لواء الجمعية، وتقديم الأراضي أو المحلات هبة للجمعية لبناء مؤسسات تربوية، إن هذا كله لدليل  على وعي شعبنا، لما تقوم به الجمعية من تصحيح لما أفسده الدهر، وتوضيح لما أغمضه المكر.

إن جمعية العلماء –اليوم- والحمد لله لهي أكثر مضاء وعزماً، يشد عضدها شعب الجزائر المسلم، كما أنها واعية بأنها قد كبرت في مقامها ولكنها لم تهرم، ولم تبلغ من الكبر عتيا، بل إنها في قمة العطاء، والعمل البنّاء.

إن مما يطمئن قلوبنا، ويرضي ضمائرنا، أننا وفينا لما عاهدنا الله عليه، وما التزمنا به من وفاء نحو شعبنا وعلمائنا، وشهدائنا… وكلنا حزم وعزم، من أن الجهد والعهد سيكللان بالنجاح، لأن قضية شعبنا في محاربة التخلف والجهل، والتعصب، قضية عادلة، ولم يسجل التاريخ، انكسار أو انهزام أيه قضية عادلة.. فذلك وعد الله، وتلك سنته، ولن نجد لسنة الله تبديلا، وإن الله لا يخلف الميعاد.

مقالات ذات صلة