-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جناية “الشّيتة” على الأفراد والأمّة

جمال غول
  • 1632
  • 0
جناية “الشّيتة” على الأفراد والأمّة

يُحكى أنَّ شاعراً دخل على أحَدِ الملوك ليلًا، وكان الملك ذا هيبة، فَبَدَلَ أن يقول له: مساءُ الخير، قال له: صباح الخير. فغضب الملك، وقال: أصباحٌ هو أم مساء، أتسخر منِّي؟! فأطرقَ الشّاعرُ رأسه، وأجابه: إشراقُ وجهك غرّني، حتّى توهّمت المساء صباحاً!

ومثله أنّ أحَدَ السّلاطين خرج مع حاشيته للصيد، فرمى سهمه ليصطاد غزالًا، فأخطأ صيده، فقال بعض حاشيته: أحسنت يا مولاي! فردّ الملك: أتستهزئ بي؟ فأجاب كبير المتزلّفين: “أحسنتَ يا مولاي عندما عفوتَ عنه، ولم تقتله وأبقيته حيّاً، فأحسنت إليه”!.

التّطبيل والتزلّف و”الشِّيتة” عادة قديمة، توارثتها الأجيال من أصحاب النّفوس المريضة، لأجل تحقيق أغراض خسيسة ومآرب دنيئة، وأحياناً لا لشيء إلّا لذِلّةٍ في النّفوس، تأبى الرِّفعة، وتستلِذُّ العبوديّة، ويستهويها الانبطاح وعلقُ الأحذية. فإن كان العُذر أحياناً هو الخوف من بطش صاحب الأمر، فأيُّ عذر يُلتمس لمن تجاوز مدح المسؤول في وجهه داخل القاعات المزخرفة، والمكاتب الفخمة إلى مدحه بالباطل، وبما ليس فيه في غيابه كما في حضرته، ونشر تزلّفه على وسائل التّواصل الاجتماعي؟!

وتستمرّ مسيرة التطبيل وتنتقل رايتُها من سابق إلى لاحق تجمع بينهما طباعُ سوء، وخسّة نفس، ويعظم الخطْبُ عندما يصدُر ذلك عن أشخاص يُحسَبون على النّخبة، فيُطلّون علينا بين الفينة والأخرى ليُسبّحُوا بحمد بعض المسؤولين، ويتمنّون بقاءهم في كراسيهم؛ آخذين في ذلك بمبرِّرات هي أهون من بيت العنكبوت، والعقل والمنطق يفرضان أن يكون تقييم المسؤولين مبنيّاً على مدى الكفاءة، وحسن الإدارة، لا على أيِّ شيء آخر لا صلة له بالمهنيّة.

مسكينٌ أيضاً ذلك المسؤول الذي يُزيّن له أصحاب “الشِّيتة” خرجاته في تدشين المدشَّن، وإعطاء إشارة انطلاق لنشاط ليس من اختصاصه، أو هو مِن مهامّ مَن هم دونه في الرّتبة الوظيفيّة، ومع ذلك يُكال له المديح، وتُبذل له الزّغاريد، ويتزيّنون له كما تتزين العجوز الشّمطاء بالمساحيق، وماذا تغني المساحيق؟ وهل يصلح العطّار ما أفسده الدهر؟

أليس ذلك بجنايةِ تضليل وتخليط وتغليط تضاف إلى جناية شهادة الزّور؟ ماذا سيستفيد هذا المسؤول من هذا التزلّف المبتذَل إلّا أن يحسب نفسه على شيء، وهو عبءٌ ثقيلٌ على موظَّفيه؟ ماذا يستفيد المجتمع من هذه “الشِّيتة” إلّا تضييع فرص الإصلاح والتّغيير النّافع؟.

مسكينٌ ذلك المسؤول الذي يحيط به من يمدحونه بما ليس فيه، فإن كان راضياً بذلك -وربّما هو من يوحي إليهم به- فقد وقع في وعيد الله تعالى، الذي أخبر عنه في كتابه: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [آل عمران: 188].

مسكينٌ ذلك المسؤول الذي يُضخّم له المنافقون و”الشيّاتون” أعماله، فيحسب نفسه على شيء، وهو عريٌّ عن ذلك، كيف سيكون حاله حين يتخلّى عنه المتزلّفون إلى غيره؟ وكيف سيكون حاله يوم القيامة وهو يرى أعمال بعض النّاس كجبال تهامة حسنات ينسفها الله نسفاً، ويجعلها هباءً منثوراً، وهو قد جاء بأعمال كالذرّ كانت قد ضُخّمت في الدنيا بالباطل، ولم تُقدِّم شيئاً تنتفع به الأمّة؟

ومسكينٌ أيضاً ذلك المسؤول الذي يُزيّن له أصحاب “الشِّيتة” خرجاته في تدشين المدشَّن، وإعطاء إشارة انطلاق لنشاط ليس من اختصاصه، أو هو مِن مهامّ مَن هم دونه في الرّتبة الوظيفيّة، ومع ذلك يُكال له المديح، وتُبذل له الزّغاريد، ويتزيّنون له كما تتزين العجوز الشّمطاء بالمساحيق، وماذا تغني المساحيق؟ وهل يصلح العطّار ما أفسده الدهر؟

كم من مسؤول راح ضحيّة البطانة السَّيّئة، المتكوّنة من حُثالة “الشيّاتين” المنافقين، التي للشرّ ساقته، وللمهالك دفعته، وكم من راعٍ رضيَ بمثل هذه البطانة، وأسند ظهره إليها، فضاعت حقوقٌ، وتعطّلت مصالح. ولو كان صادقاً فطناً لاتّخذ بطانة صالحة أرشدته لما فيه خير البلاد والعباد. فقد وقف النبيّ صلى اللّه عليه وسلم موقفا حازما رافضا تجاه المبالغة في مدحه والثناء عليه ولو كان بحسن نيّة، لما قال له رجلٌ: ما شاء الله وشئت، قال: أجعلتني لله نِدًّا؟! قل: ما شاء اللّه وحده.

ولمّا سمع من تقول: (وفينا نبيٌّ يعلم ما في غدِ) نهرها قائلا: دعي هذا وقولي ما كنت تقولين.

كم أضاع علينا “الشيّاتون” من فرص الإصلاح والتّغيير؟ وكم من ويلات جلبها علينا هؤلاء المتملِّقون؟ وكم من نكسات تسبّب فيها أولئك المتزلّفون بالباطل؟ ولا منجى من ذلك كلِّه بعد فضل الله إلّا بمصادرة “الشِّيتة”، وتجريم تعاطيها، وبذلك يتعافى جسدُ الأمَّة من سرطانهم، ويستفيقُ عقلها من سكرتهم، ويخرج الجميع من وَحْلِها، فمتى يستقيلُ “الشيّاتون”؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!