-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
يزاحمن الرجال في أصعب المهام

حارسات الشواطئ.. مهنة جديدة لحماية المصطافين

راضية مرباح
  • 1711
  • 0
حارسات الشواطئ.. مهنة جديدة لحماية المصطافين

صنعت حارسات الشواطئ اللواتي تم تسخيرهن ضمن نشاط مستحدث لفائدة إنقاذ النساء فقط بولاية تيبازة، الحدث، منذ بداية موسم الاصطياف بشاطئ شنوة. فهذا الشاطئ خرج عن المألوف، بتوظيف فتيات لنجدة السيدات والأطفال، ضمانا لحرمة العائلات، التي استحسنت وجود نساء في خدمتهن عوض الرجال، أثناء حدوث أي طارئ.

خصوصية الإسعافات الأولية وبعض المواقف الحرجة، التي يواجهها حراس الشواطئ أثناء إنقاذ النساء من الغرق، وما قد يرافقه من ردات فعل رافضة لأي إغاثة، عن طريق اللمس أو التدليك القلبي وخاصة الإنقاذ الفموي. جعل أمر توظيف نساء مسعفات، أكثر من ضرورة. هو ما تجسد في شاطئ شنوة بولاية تيبلازة، خلال موسم الاصطياف الحالي، أين تم تشغيل نساء في مهمة حارسات شواطئ.

أم لـ 3 أطفال تتجند لإنقاذ الغرقى

وللتقرّب أكثر من الحارسات بشاطئ شنوة بتيبازة، ارتأت “الشروق” مرافقة الحارسات، فكان لنا معهن هذا اللقاء الشيق، مع الوقوف على عملية إنقاذ على المباشر.

أصغرهُنّ لا تتعدى 18 من العمر..

في تجربة تعد الأولى من نوعها على المستوى الوطني، استطاعت كل من مروة، زهرة ودنيا وندى من ولاية تيبازة، كسر قيود المجتمع وتحدي الكلام الجارح، أثناء تأدية مهامهن على المباشر أو بمواقع التواصل الاجتماعي، بعد ولوجهن عالم الإنقاذ، الذي ظل حكرا على فئة الرجال، قبل أن تلجه الأيادي الناعمة من الجنس اللطيف.

تعتبرن أنفسهن قادرات على مواجهة أي طارئ بالبحر، لأنهن كما قلن هن ” أبناء الموجة “، في إشارة منهن على أنهن تربين في البحر، منذ نعومة أظافرهن ولم يتعرضن في حياتهن إلى الغرق إطلاقا. وحسبهن، البحر لا يخيفهن لا ساكنا ولا هائجا.

وهن 4 نساء تتراوح أعمارهن بين 18 و35 سنة، تمكّن من حفر أسمائهن بولاية ساحلية فتية، تريد الخروج من قوقعتها باستقطاب الزوار من كل حدب وصوب. فباختلاف مستوياتهن الاجتماعية والدراسية، استطعن صنع التميز رغم الصعوبات..فمن خريجة من الجامعة إلى سنة ثانية حقوق إلى ربة بيت وأم لـ3 أطفال وأخرى عاطلة عن العمل، شكلن فرقة صامدة، حلمها إنقاذ الجنس اللطيف، في مجتمع يعيش الكثير من المتغيرات.

وبينما تقبل بعض المواطنين هذه المبادرة، استهزأ البعض الآخر، ورغم ذلك أصرت الحارسات على مواجهة ذلك بقوة شخصية وحماس، وحاولن فرض مهمة المسعفات بالشواطئ، تحت إشراف رئيسة المركز وهي امرأة كذلك والمعروفة باسم ” حيزية “، التي تتولى مهمة المراقبة والتأطير.

عائلاتنا شجّعتنا على المهمة الجديدة

تؤكد شهادات مروى وندى، أن عائلاتهن كانت أول المشجعات لهن لولوج عالم الإنقاذ بالشواطئ، ولأنهن يتنفسن البحر منذ الصغر ويجدن السباحة تعادل الحراسة، لم تجدن أي اعتراض من طرف الأهل. وتقول ندى، أنها تلقت ترحيبا من طرفهم، أما مروة فهي تلقت تشجيعا من عائلتها التي لم تقف حاجزا أمام حلمها، بل تشجعها دوما حتى أنها تلقت ترحيبا من طرف جيرانها.

وما زادها حماسا لأداء مهنة الإنقاذ النبيلة، على حد قولها، أنه “من أنقذ نفسا كأنما أنقذ الناس جميعا”. وتحدثت مروة عن شخصية زميلتها زهرة، وهي امرأة ماكثة بالبيت وأم لـ3 أبناء، تحدت الصعاب لتحقيق حلمها وأداء واجب نجدة الجنس اللطيف بالشواطئ، وعن هذا تقول: ” “عملنا شريف.. وعُمْرو لا كان العمل عيب. بل نحس بالفرحة كلما قمنا بإنقاذ أو إسعاف جريحة أو طفل صغير، لان عملنا يقتصر على هذه الفئتين فقط “. وذكرت المتحدثتين أن أكثر ما شجعهن على مزاولة النشاط أنه موسمي، يغتنمن فيه فرصة العطلة الصيفية لأداء خدمة عوض الجلوس بلا عمل.

النساء أكثر غرقا

كانت الساعة تشير إلى الثانية زوالا من ظهيرة يوم اثنين من شهر أوت الجاري، نزلت “الشروق” إلى شاطئ شنوة بولاية تيبازة، من أجل التقرب أكثر من حارسات البحر اللواتي كثر الحديث عنهن في الشارع وحتى بمواقع التواصل الاجتماعي، بعد الإعلان عن التجربة الرائدة والأولى من نوعها على المستوى الوطني.

وجدنا ترحيبا من طرف الناشطات في المجال، غير أنهن قمن بتوجيهنا إلى مديرية الولاية للحماية المدنية من أجل أخذ موافقة رسمية، وهو ما تم بالتحديد عند اتصالنا بالمكلف بالإعلام محمد ميشاليخ الذي سهل لنا المهمة لمباشرة العملية.. التقينا بكل من مروة وندى اللواتي كانتا حاضرتان وقتها قرب المركز رقم 1 بشاطئ شنوة. دردشتنا رفقتهن كانت جد ممتعة أثناء الحديث عن مشوارهن من الدراسة وشغفهن بالبحر وحب ممارسة عملية الإنقاذ، إلى الوقت الذي وجدن فيه حلم ممارسة عملية الإنقاذ يتحقق بعد قبولهن من ضمن حارسات الشواطئ.

حارسة شاطئ بشهادة ليسانس..

تقول مروة وهي متخرجة جامعية حاملة لشهادة ليسانس حقوق كلها حيوية ونشاط، تمارس نشاط التجارة حاليا، أن الفكرة راودتها منذ الصغر حيث كانت كلما ترى حارس شاطئ ينقذ أو يسير بالشواطئ، إلا وتقول في نفسها لما لا أكون منقذة مثله؟! ولم لا تكون المهنة موجهة لإنقاذ النساء؟ ليتحقق حلمها بعد سنوات.

وأضافت: “سُررت كثيرا عندما تم الإعلان عن المسابقة النسوية، ولم أتردد إطلاقا في المشاركة وكلي أمل أن أنقذ امرأة أو فتاة من الغرق عوض رجل”. وحسبها، مجتمعنا محافظا، وهذه التجربة جاءت لتسد الفراغ وتستجيب لما يتلقاه أعوان الحراسة من مشاكل ومناوشات بين أهل الغريقة. فرغم إنقاذ أي أمراة وإخراجها من البحر إلا أن الرجل يبقى دوما ينظر إلى المٌنقذ على أنه رجل، ولا يقبل منه أن يلمس أخته أو زوجته أو ابنته أثناء عمليات الإنقاذ الأولية، وكلها أسباب وأخرى دفعت بالجهات المعنية التفكير لتشغيل حارسات موسميات، مهمتهن إنقاذ السيدات والبنات والأطفال فقط.

مكانك في المطبخ و”نغرقْ على جالك.. !!”

تروي كل من مروة وندى، الكثير من مشاهد السخرية التي تعرضن لها أثناء تأديتهن لمهامهن.. تضحك ندى ذات الـ18 ربيعا، وتقول: “نتلقى الكثير من الكلام الساخر، وسمعت من بعض الشباب من يقول لي نجي نغرق على جالك. لكن لا أبالي لما يقوله هؤلاء، لأني متيقنة أن مجيئي إلى هنا من أجل أداء مهمتي وفقط، ومن يحب ما يمارسه لا يملأ رأسه بكلام الناس”. أما مروة التي يبدو أن لديها أكثر تجارب بالحياة، تقول وهي متيقنة من نفسها “بسبب ما كان يتداول بمواقع التواصل الاجتماعي والسخرية التي تعرضنا لها في بداية الإعلان عن نشاطنا، أصبحتُ لا أتصفح تلك المواقع ولا ادخل حسابي بالفايسبوك، أما بالشاطئ فلطالما سمعت همسات وكلاما ساخرا. البعض يقول لي أنت من ستتعرضين للغرق، الماء يأخذك أو مكانك في المطبخ ليس هنا ..”.

وتؤكد محدثتنا أنها لا تبالي لما يقوله هؤلاء، وتواجه ” تنمرهم ” بقوة الشخصية واللامبالاة. وبحسبها، هي مهنة جديدة على مجتمعنا المحافظ، تجربة أولى، وعادي جدا تلقي بعض الاعتراضات والانتقادات. وكشفت المسعفات، أن والي ولاية تيبازة، كان أول من شكر الفرقة النسوية، وحفزها.

100 حالة غرق.. ونساء يلتفّ عليهن جلبابهنُ أثناء السباحة

تُمسك مروة سجلا كان فوق الطاولة بداخل المركز 1، وهو عبارة عن بناء جاهز منصب قرب مدخل الشاطئ بالجهة الغربية، لتمدنا بحالات الإنقاذ وسط النساء اللواتي تعرضن للغرق، وتمكنت الحارسات من نجدتهن.

وكشفت أن السجل يُظهر الكثير من الحالات التي فاقت 100 منذ بداية موسم الاصطياف، وأعطت مثال عن اليوم 10 من شهر جوان فقط حيث، أين تم نجدة 17 طفلة و13 امرأة. تقول أن عملهن يبدأ منذ الثامنة والنصف صباحا بمعاينة الوجهة المخصصة لهم. وتستذكر مروة بعض قصص الإنقاذ لسيدات، فإحداهن غرقت بسبب ثقل لبسها بشاطئ معروف بالحرمةـ، حيث تسبح الكثيرات بملابسهن وحجابهن. أما إحداهن فقد تعرضت للغرق بسبب التفاف جلبابها على وجهها بعدما ارتطمت بها موجة، ولم تتمكن من التنفس أثناء محاولة الخروج، ولم تجد أمامها سوى حارسات الشواطئ لإنقاذها.

وتتذكر مروة حالة قصة إنقاذها لفتاة من الغرق، التي عندما حٌملت على لوح الإنقاذ من طرف الحماية المدنية لمباشرة التدخل السريع، صرخ في وجههم أب الطفلة، رافضا أن يلمس الرجال ابنته، وكاد الأمر أن يتحول إلى مناوشات وهددهم باستدعاء الشرطة، ولحسن الحظ –تقول- تدخلت رئيسة المركز لفض النزاع.

ونحن ندردش مع الفتيات، وصلتهن صفارات إنذار، بوجود غريقة، فسارعن لإنقاذها، حيث تم إنقاذ الفتاة وجسمها يرتعش من الخوف والهلع، عن طريق إخراج ما بداخلها من ماء عن طريق القيء، ثم اقتيادها محملة فوق لوحة النجدة باتجاه المركز، أين تم تغطيتها، ووضعها على الجنب حتى تفرغ ما في جوفها، قبل نقلها إلى المركز الاستشفائي.

نُرافق زميلا تفاديا للمشاكل..

تؤكد شهادة مروة، أن خروجهن إلى البحر من أجل الإنقاذ أو إجراء دورات للمراقبة، تكون برفقة زميل لهن. فكل واحدة منهن يصحبها حارس، تجنبا لأي مشاكل قد تواجههن، سواء تعلق الأمر بعملية الإنقاذ أو التجوال أثناء المراقبة بالشاطئ، بسبب ما يتعرضن له غالبا من معاكسات، فضلا على تقديم المساعدة لهن في حالات الغرق الصعبة.

وتؤكد مروة أن قوتهن مستمدة من حبهن للمهنة ومن زميلتهن الأم لـ3 أطفال، فضلا عن رئيس الوحدة، المشرف عليهن ” فوغالي” الذي وصفنه بالأب الثاني، مشيرة أنهن لم يتلقين أي إساءة أو كلام مشين أو فاحش، بل استطعن انتزاع مكانتهن، بإصرارهن وجهدهن والقبول الذي وجدناه من طرف العائلات والنسوة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!