-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حان لإفريقيا أن تقول لا

حان لإفريقيا أن تقول لا

كُلَّما نجحت الصين وروسيا في زيادة حجم التعاون بينهما، تأكَّد للعالم أن الغرب لم يعد قادرا كما في السابق على فرض شروطه بالطريقة التي يريد، بل إن عقوباته لم تعد تُجدي نفعا، وكلما حدث ذلك انحسر بالتدريج الخوفُ لدى الشعوب التي طالما هيمنت عليها البلدان الغربية لعقود عدة، وتحرَّرت من عقدة المستعمَر التي طالما التصقت بها.

إنّ نجاح التعاون الصيني الروسي اقتصاديا أصبح اليوم كافيا ليُقدّم الدليل على أن عصر الهيمنة الغربية المُطلَقة قد بدأ ينحسر، وأنه حان الأوان للشعوب المُستَضعَفة من قِبَل كبرى الدول الرأسمالية المُهيمِنة أن تقول لا. وقد بدأ ذلك يتجلى بالفعل في مواقف قادة أفارقة مع نظرائهم الغربيين خلال لقاءات علنية مُسَجَّلَة ويُتابِعها الجمهور. لقد أصبحت لهؤلاء ثقة في إمكانية مواجهة الغرب اقتصاديًّا أو أمنيًّا أو استراتيجيًّا وأن يقولوا لا. هناك في الطرف الآخر من يقف نِدًّا له ويستطيع أن يَمنَع تَغوُّلَه كما كان في العقود الماضية. لم تعد الولايات المتحدة وحدها ولا أوروبا وحدها تحتكران التكنولوجيا ولا القدرة المالية التي كانت باستمرار نقطة ضعف الفقراء. اليوم، يمكن للصين أن تُوفِّر البديل التكنولوجي وبكيفية أرقى من الغرب، ويمكن لروسيا أن تُوفِّر القدرات الأمنية وبكيفية أقوى من الغرب أيضا، فضلا عما يستطيع حلفاء هؤلاء من الدول الصاعدة. وبما أن كُلًّا من الصين وروسيا ليس لديهما ماضٍ استعماري مع الشعوب الإفريقية والآسيوية وفي أمريكا الجنوبية، فإنَّ مجال التعاون معهما يُصبح أكثر سهولة وفي ذات الوقت يُربك الأطراف الغربية. ولعل هذا ما أصبحنا نلاحظه اليوم من انحسار كبير لهيبة القوى الغربية التقليدية ومن فقدانها التدريجي للقدرة على ابتزاز الحكومات والشعوب المُستضعَفة كما كانت تفعل في السابق. لقد أصبح قادة الدول الإفريقية ودبلوماسيوها يشعرون بأن هناك قوى تنافس الغرب وتكشف عوراته ونقاط ضعفه أمامهم. كلما لوّحوا بورقة التعاون التكنولوجي، وبخاصة الرقمي، وجدوا أمامهم مَن يُقدِّم أفضل وأرخص، وكلما هَدَّدوا باستعمال القوة العسكرية أو تدبير الانقلابات العسكرية، كَما كانوا يقومون به في الماضي القريب دون رادع، وَجَدوا مَن يُفشِل خططهم دون عناء… هذا الوضع الجديد في العالم يبدو أنه سيتطوَّر أكثر في السنوات القادمة لصالح انحسار النفوذ الغربي تدريجيًّا لتظهر أقطابٌ دولية صاعدة إلى جانب القطبين السائدين اليوم الشرق والغرب. وهي فرصة مواتية لبلدان الجنوب للاستثمار في مشروع نهضتها الجديدة من أجل الخروج من حالة الاستضعاف التي فرضها عليها الغرب طيلة حقبة هيمنته السابقة. إن الوقت اليوم موات لدولنا وشعوبنا أفضل مِمَّا كان عليه يوم نشأة حركة عدم الانحياز. لقد أصبح واضحا كل الوضوح أن الغرب الرأسمالي فَقَدَ جميع بدائله ليتجدد مرة أخرى. لم تعد الديمقراطية وحقوق الانسان نافعة لأن تكون مَدخل انتشاره عبر العالم. لقد تأكد اليوم أن الديمقراطية ليست “نهاية التاريخ”، كما لم تعد القوة العسكرية قادرة على فرض هذه الهيمنة على الشعوب المستضعَفة. لقد أصبحت جيوشُ الغرب الاستعماري تفرُّ من مواقعها يوما بعد يوم من أفغانستان إلى مالي إلى بقية الدول التي سيتم طردها منها بطريقة أو بأخرى. بما يعني أننا اليوم نعيش بحق بداية حقبة تُشبه إلى حد بعيد حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية ولكنها بميزان قوة يميل إلى خدمتنا أكثر مما كان عليه في تلك الفترة.

يبقى علينا فقط إدراك ووعي هذه اللحظة التاريخية، والشروع في استعادة مكانتنا وعناصر قوَّتنا، وقبل ذلك ثقتنا وأملنا في أننا بالفعل يُمكِن أن نَصنَع لأنفسنا مكانة في هذا العالم، بعد أن نقول لا. وتلك الأيام نُداولها بين الناس.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!