-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حتى تنتصر جزائرنا على جزائرهم

الشروق أونلاين
  • 2122
  • 0
حتى تنتصر جزائرنا على جزائرهم

د‮/ ‬محمد‮ ‬العربي‮ ‬الزبيري

د‮/ ‬محمد‮ ‬العربي‮ ‬الزبيري في سنة 1930، احتفلت فرنسا بمرور قرن على احتلال الجزائر. وإذا كانت مراسيم الاحتفال قد جرت وفق العادات الكولونيالية ، أي بواسطة مشاهد الرقص والفروسية وتوزيع الأوسمة ، فإن التاريخ قد احتفظ لنا بسجل ذهبي كانت لي فرصة الاطلاع عليه في مستهل السبعينيات بمكتبتنا الوطنية وفي المكتبة الوطنية الفرنسية بباريس .. السجل عبارة عن كتاب ضخم من الحجم الكبير خصصت كل صفحاته لتقديم العائلات العريقة في العمالة التي كان نشاطها يشكل السند الرئيسي لترسيخ الاحتلال وتمكينه من ممارسة سياسة القمع والاستبداد والإذلال والاستعباد.ففي تلك السنة ، أيضا ، ضاعف نجم شمال أفريقيا نشاطه في أوساط العمال يدعو إلى الالتحاق بصفوفه من أجل تحرير شمال أفريقيا وإعادة توحيده .و في العام الموالي ،أي سنة 1931،انتقلت فكرة التوحيد إلى أوساط الطلبة المغاربيين فانقسموا على أنفسهم ،وظهر الانقسام خاصة في صفوف الجزائريين .يقول مالك بن نبي في “شاهد على القرن” :” سنة 1931 وفدت وجوه جديدة على الحي اللاتيني …و أنضم “الواقعيون “إلى “المنشقين” يتزعمهم عمار نارون بينما التف “المثاليون” حولي و حول حموده بن الساعي.وللتذكير فقط ، فإن عمار نارون كان فرنسي الجنسية وهو صاحب كتاب ” دروب السيادة ” وصاحب البيت الذي التقى فيه ، سنة 1947 ، رئيس الحكومة الفرنسية والرئيس الراحل فرحات عباس وهو اللقاء الذي اشتهر ، عند المؤرخين ، بلقاء البذلة ودار فيه حديث شيق سوف نخصص له مقالا كاملا نظرا لأهميته ولأن ضيق المساحة ، اليوم ، تمنعنا من ذلك . أما حمودة بن الساعي فهو فيلسوف جزائري وطني النزعة ، توقف مالك بن نبي ، مرات عديدة في كتاباته الكثيرة ، عند فكره النير وثقافته الواسعة وبعد نظره في معالجة القضايا السياسية خاصة . ولأنه كان وطنيا ، فإن الإدارة الكولونيالية قد ردمته حيا بواسطة الحصار الخانق الذي فرضته عليه. ولم تحرك الجزائر المسترجعة استقلالها ساكنا للإفراج عن قدراته الإبداعية، بل عاملته ، كرفيق دربه ، بالمضايقات والنسيان وبذلك ، دللت على أهلية كبيرة في مواصلة سياسة المسخ الثقافي وإرساء قواعد الاستعمار الجديد الذي خصص له الجنرال ديغول حيزا مهما في مذكراته .

ونعود بالقارئ الكريم إلى المئوية سيئة الذكر فنشير إلى أن التحضير لها قد استغرق ثلاث سنوات، وتضافرت جهود منظري الاحتلال لتكون منطلقا لابتلاع الجزائر نهائيا وإخراجها ، كلية ، من فلك العروبة والإسلام . وظل التنظير مرجعا أساسيا بالنسبة لغلاة الكولون الذين لم يتوقفوا عن تطويره وتكييفه مع الواقع وعن تجنيد أكبر عدد ممكن من ” الجزائريين الأهالي ” الذين أصابهم المسخ الثقافي في الأعماق ليكونوا حماته والعاملين ، بشتى الوسائل على ديمومته وتوفير الشروط اللازمة التي تجعل منه قوة فاعلة تسد الطريق المؤدية إلى جزائر ما قبل 1830. ومما لا شك فيه أن التنظير المذكور هو الذي كان في أساس منظومة الأفكار التي اعتمدتها المنظمة السرية المسلحة ( أو منظمة الجيش السري كما يحلو للبعض أن يسميها خطأ ) حينما بادرت ، مباشرة بعد التوقيع على اتفاقيات أيفيان ، إلى صياغة تلكم الوثيقة المبسطة لتكون، بعد استرجاع الاستقلال الوطني ،منارة يهتدي بها “بقايا الجزائريين الأهالي ” في كل مساعيهم المناهضة للثورة و من أجل إفشال مشروع المجتمع الذي بشرت به جبهة التحرير الوطني ليلة الفاتح من نوفمبر سنة أربع و خمسين و تسعمائة و ألف. وكان ” بقايا لجزائريين”في مستوى المهمة التي أسند إليهم إنجازها و التي وردت خطوطها العريضة في وثيقة المنظمة السرية المسلحة و هي كالآتي:

– إن الجزائر المنفصلة عن فرنسا يجب أن تكون “جمهورية ديمقراطية لائكية و اجتماعية”وهو الشعار الذي ترفعه اليوم ما يسمى بالأحزاب الديمقراطية التي ترفض الاحتكام إلى صناديق الاقتراع و ترفض،في ذات الوقت ،ما جاء في بيان أول نوفمبر من أن الجزائر “جمهورية ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية.
– تجريد العلم الجزائري من كل ما ينم عن انتماء الجزائر إلى الحضارة العربية الإسلامية و حل جبهة التحرير الوطني، و هو ما أصبح التعبير عنه في السنوات الأخيرة”بوضع جبهة التحرير الوطني في متحف التاريخ ، وبمحاولة استبدال النجمة والهلال بالصليب المعقوف الذي يزعم أنه يرمز إلى أصول البربر .
– إبقاء الجزائر في إطار العالم الغربي و العمل بشتى الوسائل على تشييد “الأوروآفريك”.إن هذه الفكرة قد تحققت خاصة في هذه السنوات الأخيرة، وتحقق أكثر منها على يد من كان الشهداء يرون فيهم الخلف الصالح الذي يمكن الاعتماد عليه في الحفاظ على مكتسبات الثورة وعدم التفريط فيها باعتبارها ثمنا لتضحيات جسام ومنطلقا لانتصارات يمكن أن تساعد الجزائر على إتمام عملية استرجاع الاستقلال في جميع مجالات التنمية الوطنية، واستعادة السيادة كاملة غير منقوصة .
– تكون في الجزائر لغتان رسميتان هما العربية والفرنسية، وتكون الجامعة “اوروأفريقية”.لو كان الجزائريون ” غير البقايا ” يعرفون أنهم سيصابون بمن يفرض أكثر من ضرة على لغة القرآن لقبلوا بعرض المنظمة السرية المسلحة. ولو كانوا يتصورون أن الجامعة، في جزائر ما بعد استرجاع الاستقلال، تكون وكرا لمناهضي الثورة وأعداء التوجه الوطني ومعقلا للرداءات بجميع أنواعها لما طالبوا بجزأرتها و تعريبها.
– تطبيق النظام الفدرالي في الجزائر أو بتعبير العصر “الجهوية الإيجابية”. إن هذه الفكرة قد وصلت اليوم إلى مصدر القرار ، وغدا ، إذا لم تتحرك الضمائر الحية ، فإن الجزائر ستتحول بكل سهولة إلى “مجموعة من دويلات الطوائف” التي يدور بعضها في فلك المحتل السابق .

هذه الخطوط العريضة،في مجملها،هي جوهر السياسة التي ينادي بتطبيقها أدعياء الديمقراطية في الجزائر. نقول أدعياء الديمقراطية لأنهم يرفضون الأسس التي تقوم عليها هذه الأخيرة والتي يأتي في مقدمتها الحوار وقبول الآخر ورفض العنف والاحتكام إلى جماهير الشعب وهي كل لا يتجزأ. و يعتبر ضربا من الأوهام الزعم بتبني بعضها مع إدارة الظهر لبعضها الآخر على غرار ما نشهده اليوم عند “الديمقراطيين” الذين يرفضون الاستفتاء ويعارضون المصالحة الوطنية وينكرون على شرائح اجتماعية واسعة حق المشاركة الفعلية في تسيير شؤون البلاد.

إن ” بقايا الجزائريين الأهالي ” هؤلاء يهدفون، في نهاية الأمر، إلى العودة بالجزائر إلى الوضع الذي كانت قد اختطته لها الإدارة الكولونيالية والذي يعطينا في أبسط تعبيره:أقلية من التغريبيين في الحكم ميزتها الأساسية محاربة العروبة والإسلام في إطار من “العصبية العمياء “المبنية على حب الغرب الإمبريالي والتفاني في خدمته،وأغلبية ساحقة من أبناء الشعب المغلوبين على أمرهم بفعل الانتكاسة التي تعرضت لها ثورة نوفمبر 1954.وعلى الرغم من أن هذه الأغلبية تعاني اليوم، سلبيات الحكم المفروض عليها بواسطة التخويف والتزييف، فإنها تضم في صفوفها طلائع من الإطارات الواعية التي ترفض الاستكانة ، والمطلوب منها أن تعمل بكل مالها من إمكانيات على تحقيق التغيير الذي يكون من شأنه إعادة قطار الثورة إلى سكته الطبيعية الآمنة وما ذلك بعسير على الإرادات القوية التي عليها أن تتحد لتقوم ، في مرحلة أولى، بتفنيد مزاعم الدكتور ” شارل روبرت آجرون ” القائلة أن:”من الأكيد أن كثيرا من الجزائريين يشعرون برباط متين يشدهم إلى فرنسا “. أما في المرحلة الثانية ، فإن تلك الإرادات الوطنية مطالبة بخلق الأجواء الملائمة لانطلاق ثورة ثقافية تمكن من إعادة قولبة الإنسان الجزائري وتخليص شخصيته من عناصر المسخ والغزو حتى يكون قادرا على التحرر والتحرير وعلى إعادة بناء الدولة الجزائرية المعاصرة وفقا لما ورد في بيان أول نوفمبر 1954 .

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!