حتى شيوخ الحجاز تراجعوا عن إباحته
الذي أراه أنّ الشّيخ فركوس، قد أعوزته الحكمة وجانبه الصّواب في فتواه المتعلّقة بحكم زواج المسيار، والمنشورة في موقعه تحت رقم 1149، حيث مال إلى إباحته، ونصح بعدم التوسّع فيه مستعملا عبارة “لا ينبغي” التي لا تنافي الإباحة، ولعلّ زلّته هذه مردّها إلى تركيزه على الجانب النّظريّ للمسألة، وإغفاله للواقع والمآلات والأبواب التي يمكن أن تفتحها فتوًى كهذه في بلد كالجزائر.
زواج المسيار، من الناحية النظرية، زواج دائم مستكملٌ للأركان والشّروط المتعارف عليها عند جمهور الفقهاء، من تراضي الزوجين وحضور الوليّ والشّهود، والصّيغة والصّداق والإعلان، ولكنّه يتضمّن تنازل الزّوجة عن بعض حقوقها الشّرعية باختيارها ورضاها، مثل النّفقة والسّكنى والعدل مع الزّوجات الأخريات.
وقد جاءت تسمية هذا الزواج بالمسيار من باب كلام العامّة، وتمييزا له عمّا تعارف عليه النّاس في الزّواج العادي، لأنّ الرّجل في هذا الزّواج يسير إلى زوجته في أوقات متفرّقة ولا يستقرّ عندها طويلا.
وعلى الرّغم من كون هذا النّوع من الزّواج زواجا دائما مكتمل الأركان والشّروط من حيث المبدأ، إلا أنّ المحقّقين من العلماء المعاصرين قد ذهبوا إلى تحريمه، بالنّظر إلى أنّه لا يحقّق السّكن الرّوحيّ بين الزّوجين، ولا يسمح بتربية الأبناء في كنف أسرة مستقرّة، وهو ما ينسف أهمّ حكمة من حكم الزّواج: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم 21، وبالنّظر إلى أنّ الزّوجة في كثير من الأحيان تُضطرّ للتّنازل عن حقوقها مع حاجتها الماسّة إليها، ما يشكّل نوعا منالاستغلال الذي يتنافى مع قيم الإسلام.
كما أنّ الممارسات الواقعيّة في الأوساط التي أباحت واستباحت هذا النّوع من الزّواج، تؤكّد بما لا يدع مجالا للشكّ رجحان ورجاحة القول بتحريمه، وقد تناقلت كثير من المواقع الإخبارية عن المستشار في الديوان الملكي السعودي، وعضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع، أنّه ضاق ذرعا باستغلال ضعاف النّفوس إباحة بعض العلماء زواج المسيار، في ممارسات لا تمتّ إلى الإسلام بصلة، ما جعله يجزم بتحريم هذا النّوع من الزّواج، مؤكّدا أنّ زيجات المسيار والمصياف والفرند (الأصدقاء) والزّواج بنية الطلاق، كلّها نكاح متعة لايجوز شرعا. كما أُثِـر عن الشّيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أنّه كان قد أفتى بإباحة المسيار، ثمّ رجع عن الإباحة إلى التوقّف، بسبب ما تخلّله من فساد في التّطبيق.
وتأتي فتوى المنيع بتحريم زواج المسيار، تأكيدا لما ذهب إليه علماء آخرون من قَبل، منهم: الشّيخ الألباني، الدكتور عمر سليمان الأشقر، الشّيخ عبد العزيز المسند، الشّيخ محمّد الرّاوي، وعلماء آخرون.
لأجل هذا فإنّنا ننصح شبابنا في هذا البلد، أن يضربوا صفحا عن هذه الفتاوى التي تتساهل في هذا النّوع من الزّواج اعتمادا على الجانب النّظريّ للموضوع، بعيدا عن التّطبيقات والممارسات الواقعيّة، وبعيدا عن قاعدة سدّ الذّرائع التي تغلق الباب في وجه كثير من الأمور المشتبهة التي تتلبّس بالدّين.
كما نحبّ أن نذكّر شبابنا أنّ البديل لعدم القدرة على تكاليف الزّواج وأعبائه لا يكون في اقتحام المحرّمات والمشتبهات، وإنّما يكون فيما أرشد إليه النبيّ الهادي عليه الصّلاة والسّلام حينما قال: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج ومن لم يستطع فعليه بالصّوم فإنه لهوجاء)- متّفق عليه-.
إنّ من الحيف والظّلم أن نتقاعس عن معالجة أسباب تعسّر الزّواج، ونفتح الأبواب على مصا ريعها لبدائل وممارسات تصبّ الزّيت على النّار وتزيد البلاء بلاءً، وتهبط بديننا الحنيف إلى مستوى التشريعات التي تجعل إشباع الرغبات وتلبية النّزوات هدفا ومقصدا.
والله تعالى أعلى وأعلم.
* إمام مسجد أحمد بن تيمية في قسنطينة