الرأي

حتى لا تكون تظاهرة عاصمة الثقافة.. عابر جسر

قصة اختيار قسنطينة لتكون عاصمة للثقافة العربية، بدأت عندما اقترحت الجزائر احتضان مدينة تلمسان لتكون عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2011، وهو اختيار لاقى الكثير من الانتقاد، ليس لأن تلمسان التاريخية دون هذا الشرف، ولكن لأن قسنطينة، أكثر ارتباطا بغالبية كبار علماء العالم الإسلامي الذين أنجبتهم الجزائر، فهي المدينة التي وُلد فيها رائد النهضة الشيخ عبد الحميد بن باديس، والمفكر مالك بن نبي، كما أنها مهد لجمعية العلماء المسلمين وحضن الجامعة الإسلامية الأمير عبد القادر، وولد بها ستة من مجموعة الـ 22 التي فجرت الثورة الجزائرية.

ولكن المدينة  تعرّضت منذ الاستقلال للتهميش الحقيقي بعد أكبر نزوح ريفي عرفه العالم، ففقدت معالمها، وما بناه الشيخ عبد الحميد بن باديس على مدار ثلاثين سنة، تبخر في ثلاثين سنة، ففقدت الكثير منالتربيةوالكثير من  التعليموأيضا الكثير من هويّتها، وكادت وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي أن تجهز عليها، عندما حاولت أن تلبسها ثوبا أمازيغيا فقط وتنزع عنها الثوب العربي والإسلامي، حيث اهتمت بضريح ماسينيسا في الخروب، وتشاجرت مع مدير العمران لأنه تقاعس في عملية الترميم، ولم تهتم بالمدينة القديمة العثمانية التي انهارت من دون أن تقدم لها أي مشروع، كما تحولت كل البنايات الباديسية من مطبعة ومصليات إلى أطلال، وظهرت في المدينة مهرجانات غريبة منها المهرجان الدولي للجاز، وسعت السيدة الوزيرة السابقة لأجل أن تكون قسنطينة عاصمة للثقافة الأمازيغية إلى أن تدخل رئيس الجمهورية الذي ردّ لقسنطينة اعتبارها، باقتراحها عاصمة للثقافة العربية بعد أن ضيّعت التظاهرة الإسلامية ومع ذلك تقلصت ميزانيتها 700 مليار سنتيم، إلى نصف ميزانية عاصمة الثقافة الإسلامية في تلمسان التي بلغت 1400 مليار سنتيم.

 

ارتباط قسنطينة بالعلم والعلماء، لم يكن وليد احتضانها لجمعية العلماء المسلمين منذ بداية ثلاثينات القرن الماضي، وإنما لكونها كانت مقرا لتجميع حجاج بيت الله الحرام من بلاد المغرب العربي، فقد زارها كبار علماء الدعوة والفكر بداية من محمد عبده عام 1903، وكبار المطربين مثل فريد الأطرش عام 1952 وكبار المسرحيين مثل يوسف وهبي، وأمدت قسنطينة الثقافة بعدد من الأسماء يبقى أشهرها كاتب ياسين ومالك حداد وزهور ونيسي، ولكنها في العقدين الأخيرين سجلت تخلفا مريعا في جميع المجالات، وبدلا من أن تكون سندا للجزائر وقلبها النابض، أصبحت عبئا عليها ومدينة خارج كل الأحداث الكبرى، فلم تعد تنتج مسرحية واحدة في السنة، ولا تحتضن ندوات شعرية ولا تمنح للمكتبة الوطنية كتابا قيّما واحدا، إلى أن لاح أمل تظاهرة عاصمة الثقافة العربية، وهي فرصة يتفق القسنطينيون على أنها قد لا تتكرّر أبدا، لأن احتضان قسنطينة مثلا لمئتي مسرحية، خلال السنة من كل الأقطار العربية هو رقم مهول، من المفروض أن يحرّك الركح الراكد منذ مسرحياتهذا يجيب هذا وأخواتها“. وإذا كانت قسنطينة قد احتضنت أمسيات نزار قباني ومحمود درويش وأدونيس في زمنها الجميل، واستقبلت فيروز ووديع الصافي وعبد الحليم حافظ، وعاش فيها محمد الغزالي والبوطي والشيخ القرضاوي، وعرض فيها كمال الشناوي والمخرج الراحل صلاح أبو سيف، فإن فرصة تظاهرة عاصمة الثقافة العربية من المفروض أن يتم استغلالها لتصبح المدينة ملتقى عربيا دائما، من خلال التأسيس لنهضة ثقافية دائمة، حتى لا تكون التظاهرة عابر جسر معلّق، تنتهي بعد انقضاء السنة كما حدث للجزائر العاصمة بعد احتضانها تظاهرة عاصمة الثقافة العربية، وكما حدث لتلمسان التي احتضنت تظاهرة عاصمة الثقافة الإسلامية

مقالات ذات صلة