حجاج ومعتمرون يعبثون أمام البيت الحرام
بعد “السيلفي”، الذي كان يلتقط في مكة من طرف المعتمرين والحجاج، وانتشاره بشكل كبير بينهم، وتحول هذه الأمكنة، من محطات للدعاء والتعبد واغتنام الفرص في التقرب إلى الله، بمختلف العبادات، خاصة وهم بالقرب من بيت الله الحرام، إلى أخرى لالتقاط الصور والتباهي أمام كاميرات الهواتف النقالة.. حتى ظهر نوع آخر من المعتمرين، يحملون قصاصات ورقية، فيها دعاء لفرقهم الكروية، سواء المحلية أم العالمية، وهم يتضرعون لله من أجل أن ينقذ فريقهم من السقوط، أو الفوز بالدوري أو الكأس.
أضحت هذه الظاهرة اليوم، الشغل الشاغل للكثير من محبي الجلد المنفوخ، ولا يجدون حرجا في رفع أيديهم أمام الكعبة أو بيت الله الحرام، وهم يتضرعون من أجل الفوز في مقابلة لكرة القدم، لا تعني شيئا مقارنة باللحظة التي هم فيها، وفي المكان الذي تطأه أقدامهم. والغريب، أن هذه الظاهرة لم تبق محصورة عند مجانين الكرة من الشباب، بل هناك من الفيديوهات من شيوخ تجاوزوا الستين من عمرهم، وهم يحملون قصاصات ورق مكتوبا عليها فريقهم المفضل، والدعوة له بالفوز أو النجاة من السقوط إلى الأقسام السفلى.
نحن لا نتحدث عن الموضوع من أجل الإفتاء بحرمته، وهو ليس مقامنا، غير أنه عجيب أمر الكثير من المعتمرين أو الحجاج، الذين يجدون بعض الوقت للهو، وهم على مقربة رمية حجر من بيت الله الحرام، ترى أعينهم تفيض دعاء وترجو من الله أن يحمل كل السلامة لفريقهم أو الفوز في دورة من الدورات الكروية، سواء المحلية أم الإقليمية، وكأنهم يدعون لصلاح الزوج والولد، أو يدعون للثبات والخير للوطن، فتراهم يتضرعون في صور خاشعة، من أجل الجلد المنفوخ الذي فتن الأمم اليوم، وحملوا هذه الفتنة إلى أماكن مقدسة، سواء في المساجد ودور العبادة، أم الحج والعمرة.. لذا، فقد خدشوا بفعلهم هذا، تلك اللحظات التي كان واجبا عليهم اغتنامهم لها، لأنهم سوف يعودون إلى أوطانهم لا محالة، وربما لن تطأ أقدامهم هذا المكان مرة أخرى، غير أنهم يفضلون اللهو والمشاحنات، والدعاء في أمور لا تسمن ولا تغني من جوع، فقط من أجل حاجة في أنفسهم من الهوى وحب الدنيا.
يعكس هذا الفعل وغيره، مثل التقاط السيلفي أو المشاحنات على أمور الدنيا أمام بيت الله الحرام، قيمة هذا المكان في نفوس الكثير من المعتمرين والحجاج، الذين يزورون هذه الأمكنة ليس من أجل التعبد والقرب أكثر من الله عز وجل، لكن من أجل الفضول أو الظهور أمام الناس لا غير.. فلو كانت حقيقة زيارتهم إلى هذه الأمكنة من أجل تأدية الشعيرة المقدسة، ما وقفوا وقفة لهو أو جدال في أمور بعيدة كل البعد عما هم عليه في هذه اللحظات العظيمة، التي حرم الكثير من الناس التمتع بها، وهي السير تحت ظلال الكعبة وبيت الله الحرام، واستشعار طيف خير الأنام والصحابة الأبرار، الذين مروا في يوم من الأيام من هنا.
في كل عام من العمرة أو الحج، تصلنا صور وفيديوهات من أمام البيت الحرام، من معتمرين وحجاج شغلوا أنفسهم باللهو والتفرغ لأمور الدنيا، بدلا من الاجتهاد والتفرغ للعبادة والخشوع. وهذا، يعكس حقيقة قيمة هذه الأماكن المقدسة في نفوسهم.