-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حديقة حيوانات بشرية

عمار يزلي
  • 3973
  • 0
حديقة حيوانات بشرية

وجدت نفسي مديرا لزريبة اسمها “حديقة حيوانات” تابعة للبلدية!. حديقة يكاد لا يوجد فيها حيوان ما خلا الحيوانات البشرية التي تعمل فيها ومن بينهم أنا! فلقد انقرضت الحيوانات التي بقيت هنا من أن ترك الاستعمار البلاد غير مأسوف عليه. انقرضت تحت تأثير كل أشكال التنكيل: الجوع والعطش وقلة الاعتناء، مرورا بذبح بعدها من طرف العسس الليلي تحت تأثير الخمر: أكلوا غزالين ونعامة، وبعض العناز وبقرة وجملا، والعديد من البط والدجاج والديكة من ديك رومي و”عربي”. كل هذا خلال 10 سنوات. البقية من الحيوانات، ذهبت إلى شقق وفيلات المسئولين بدء من الوالي ونوابه والمير وأعوانه، وانتهى المطاف بي، بأن أسكتوني بنسر لا يزال على قيد الحياة في بيت مسئول في العاصمة اشتراه مني بخمسين مليون سنتيم! القرد ذهب للوالي، الطاووس لرئيس البلدية، ولست أدري أين ذهبت الحيوانات ألأخرى: الفيل الزرافة، ثلاثة من الضباع وأسد ولبوءة ونمر وفهد وتمساح! (أكيد أن الذي أخذ التمساح يملك مسبحا أولمبيا!(..

لما عينت مديرا لحديقة الحيوان البلدية، كان هناك فقط 40 حيوانا وطائرا، بعد أن كان يضم في الأصل 132 نوعا. واليوم لم يبق إلا 4 حيوانات +5،  أي أربعة عمال وحراس وأنا خامسهم! حتى الأقفاص أخذت لتربية الحيوانات المنزلية من أرانب ودواجن وكلاب وكباش العيد .

هذه المرة، كان علي أن أمر بامتحان صعب: لقد جاءني الوالي بنفسه رفقة وفد يضم المير ومدير الأمن ونحو 17 من الأعوان: وفد ضخم جاء في زيارة فجائية، ليقولوا لي أنه على أن أدبر رأسي وأن أزود الحديقة بأكثر من سبعين نوعا من الحيوانات والطيور لأن الرئيس سيزور الحديقة رفقة العاهل القطري وهذا أمر سري جدا، وعلى أساس أن يتم هذا في أقل من أسبوع! طلبت منهم الإعانة وأن يرد كل من أخذ حيوانا أو طائرا إلى الحديقة مثلما أخذوها،  أو على الأقل يسلفوها لنا في سبيل الله، ريثما يمر الوفد الرئاسي. لم يرد على أحد طلبي لا قبولا ولا رفضا: أعطوني بالظهر تركوني و”اعطاوها”! وبقيت وحدي أحترق وأزبد وأرعد “أكفر” بالفرنسية والعبرية وبكل اللغات. وبت تلك الليلة أفكر في كيفية الخروج من هذه الورطة التي وضعوني فيها! هكذا يحصل في بلدنا! في الحقيقة زوجتي هي التي أنقذت الموقف، وأعطتني الوصفة السحرية! قالت لي: هذه زيارة “فاصاد”، لبق لهم وبريكولي وزوق تبيع وشكون اللي على باله بيك! وأعطتني فكرة! وغدا، كنت أعقد صفقات: أولا مع جارنا الطوليي! دبرت له 3 أحمرة وطلبت منه أن “يصبغهم” ليخرجهم بلون حمار الوحش! حمار لابس بيجاما! (الحقيقة أنه أبدع! أخذت حمر الوحش إلى الزو ورائحة البنتورة لا تزال تزكم الأنوف، وتركتهم يجفون في الشمس!. ثم وجدت 5 كلاب متشردة من أنواع مختلفة، أخذتهم عند أخي الحلاق وطلبت منه أن يصفف فروتهم ليصبحوا مثل الذئاب البرية. لست أدري ماذا أضاف لهم ولكنهم بدوا “خير من الذئاب الأصلية”! قال لي فيما بعد أنه وضع أنوفهم في الخل ليلة كاملة، ثم أطال لهم أنوفهم حتى بدوا كما لو كانوا ذئابا! كلب كبير أعرج، حوله إلى ضبع بعد صباغته، أنا بذاتي حسبته ضبع (لأني أنا هو الضبع الحقيقي!). اشتريت 4 من الديوك الرومية ونتفنا لهم ريش أعناقهم وحولناهم إلى عقبان ونسور، وصاروا يأكلون الجيف بعد 3 أيام من الجوع المتواصل! صرنا نعطيهم الجرذان فيلتهمونها (جوعا لا رغبة). وهكذا دواليك! خلال 3 أيام، كانت حديقة الحيوانات قد استعادت أمجادها من الحيوانات المفترسة (طايوان). البقية، قمنا باستئجار بعض العمال والمعارف للعب دور هذا الحيوان أو ذلك بعد أن زودناهم بجلود اصطناعية! الفيل: وجدنا رجلا ضخما (موح السمينة)، أدخلناه في لعبة بلاستيكية في غاية الشبه والإتقان تشبه الفيل. نفخت فتضخم حجمها 4 مرات حجم الرجل الضخم داخلها! يوم واحد من التمرن وكان موح السمينة، ينافس الفيل الحقيقي في كل شيء: من الصوت إلى الصورة إلى الحركة. الزرافة، نفس الشيء، حصل معها! استقدمنا “بوعلام طايايو”، الذي يفوق طوله 2.30 متر، والذي طال واستطال حتى أحدودب نصفه العلوي، مما جعل الناس يسمونه “لاجيراف”. هو الآخر أبدع في التمثيل ولعب دور الزرافة! كل هذا بعد أن أخبرنا الجميع بأن الأمر يتعلق وفقط بتصوير حصة تلفزيونية في حديقة الحيوانات، لهذا كانوا جد منشرحين خاصة وأن ما عرضنا عليهم لقاء يوم واحد من التمثيل كان يفوق أجر شهر..(البلدية هي من تدفع، لكنها لم تدفع لأحد ولو دورو!).

يوم الزيارة، كان مشهودا! جاء الرئيس بعد طول انتظار، حتى أن عمي علي العساس، الذي قبل أن يلعب على كبره دور القرد، كاد أن يسأم ويخلع الجد ويخرج من جلده أمام الرئيس والوفد المرافق لولا أن هددته بأنه لن يرى فلسا واحدا!. الرئيس، ما إن وصل حتى وقف أمام الأسد وقال لي: ماله هذا السبع نتاعكم؟ فيه مجاعة عندكم؟ قلت له: والله سيدي الرئيس الا راه ياكل خير منك ومن الوفد المرافق لك! (فنهرني البروتوكووول)..رد علي الرئيس: أدخلوا السبع على القرد ونشوفوا شحال راه ياكل! عمي علي، سمع الكلام وبدأ يتمتم: اشهد أن لا إله إلا الله…سمعته ولم يسمعه غيري! لأنه لا أحد كان يعرف ماذا يجري في الحديقة. في لحظة واحدة، كان الأسد في قفص “عمي القرد”! الأسد ما كان عليه سوى أن زأر وهجم على عمي علي، ليقول له في أذنه: ما تخافش: أن غير قويدر نتاع الكوزينة!

وأفيق وأنا أتحسس بطني جوعا وأفكر بما يكون قد حضر لي في الكوزينة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!