-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حربٌ أمريكية حتى آخر أوكرانيّ!

حسين لقرع
  • 1134
  • 0
حربٌ أمريكية حتى آخر أوكرانيّ!

تؤكّد التقاريرُ الواردة من جبهات القتال بأوكرانيا، أنّ الهجوم المضاد الكبير الذي تشنّه كييف منذ 4 جوان الماضي، يشهد فشلا ذريعا، ولم تنجح في إحداث أيِّ اختراق للجبهة التي يبلغ طولها ألف كيلومتر، بالرغم من الأسلحة الغربية النوعية التي حصلت عليها في الأشهر الأخيرة، وقد تمكّنت الخطوطُ الدفاعية الروسية القوية والمحصَّنة بخنادق عميقةٍ وحقول ألغام، من إفشال الهجمات الأوكرانية المتتالية وتدمير المئات من مدرَّعات برادلي الأمريكية ودبابات ليوبارد الألمانية وتكبيد الجيش الأوكراني خسائرَ بشرية فادحة، جعلت سكوت ريتر، ضابط استخبارات سابق في مشاة البحرية الأمريكية، يصف ما يجري للجنود الأوكرانيين في الجبهات بـ”الانتحار الجماعي”.

فشلُ الهجوم المضادّ الأوكراني حزّ كثيرا في نفس الولايات المتحدة التي كانت تعوّل عليه لتكبيد روسيا هزيمة مذلة تعجّل بنهايتها وتفكّكها، وبدل أن تحثّ حليفها الأوكراني على الجنوح إلى السلم والبحث عن تسويةٍ للنزاع، فقد آثرت صبّ الزيت على النار ودفعه إلى التصلّب أكثر من خلال الإعلان عن تزويده بذخائر عنقودية، وهو سلاحٌ بالغ الخطورة، وتحظره 123 دولة، ومنها دول أوروبية عديدة حليفة لأمريكا، بسبب انفجاره في الجوّ فوق أهدافه وانتشار قنابله الصغيرة على مساحاتٍ واسعة وإحداثها دمارا كبيرا، وهي تعمل عمل الألغام المضادّة للأفراد وتنفجر في أجساد المدنيين حتى بعد سنوات من انتهاء الحرب كما حدث في العراق وأفغانستان.. وهنا يُنتظر أن تلجأ روسيا بدورها إلى الردّ باستعمال القنابل العنقودية أو حتى القنابل النووية التكتيكية ضد القوات الأوكرانية، ومن ثم تصعيد الحرب ودخولها مرحلة أخرى أكثر شراسة ودموية. ويبدو أن أمريكا تريد- بأيّ ثمن- استنزاف روسيا وإنزال هزيمة استراتيجية بها تؤدي إلى تفكُّكها في آخر المطاف، كما حصل للاتحاد السوفيتي بعد هزيمته في أفغانستان في أواخر الثمانينيات، ولا يهمّها في ذلك سقوطُ مئات الآلاف من الضحايا الأوكرانيين، فهي حربٌ أمريكية متواصلة إلى آخر جنديٍّ أوكراني.

لكن ما غاب عن أذهان أمريكا والغربيين أنّهم لا يواجهون هذه المرة دولة ضعيفة يسهل تحقيقُ الانتصار عليها كالعراق وأفغانستان وليبيا، بل يواجهون دولة عظمى تمكّنت من إنزال هزيمةٍ تاريخية بالإمبراطور نابليون بونابرت سنة 1812 عجّلت بنهايته، وهزيمةٍ أخرى مدوِّية بهتلر خلال الحرب العالمية الثانية أفضت إلى سقوطه ونهاية النازية بألمانيا. ومن ثمة، فإنها تخوض بثباتٍ وعزم الحربَ الحالية غير المباشرة ضدّ 31 دولة من الناتو، والتي تستعمل فيها الجيشَ الأوكراني كرأس حِربة، ولن تقبل روسيا بأيّ نتيجة أخرى غير النصر الكامل ولو اضطرت إلى استعمال الأسلحة النووية وخوض حربٍ عالمية ثالثة ضدّ الغرب، لأنها معركة وجودٍ بالنسبة إليها، مع ما يعنيه نصرُ روسيا على الناتو من حدوث تغييرات جيوسياسية عميقة، وكسرِ شوكة الغرب وبدايةِ نهاية هيمنته المطلقة على العالم، وسقوطِ عدّة رؤساء دول وحكومات، وعودة نظام التعدّدية القطبية، وبروز قوى صاعدة جديدة في العالم.

وتتابع الشعوبُ الإسلامية والمستضعفَة هذه الحرب بالنيابة بين روسيا والغرب المتعجرف الذي هزم من قبل الاتحاد السوفيتي وفكّكه واستعبد العالم، وكأننا بها تردّد: “غُلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غَلَبِهم سيغلِبون…”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!