-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الأوليغارشية" ولصوص المال العام يصطدمون بصخرة الرئيس والعدالة

حرب الفساد تَـدُكُّ قلعة “إيميتال”

نوارة باشوش
  • 13719
  • 0
حرب الفساد تَـدُكُّ قلعة “إيميتال”
ح.م

أمر قاضي التحقيق لدى محكمة القطب الجزائي الاقتصادي والمالي بسيدي أمحمد، في ساعة متأخرة من يوم الأحد، بإيداع الرئيس المدير العام للمجمع العمومي للصناعات المعدنية والحديدية والصلبيّة “ايمتال” المدعو “طارق. ب” الحبس المؤقت، رفقة 4 مسؤولين آخرين، بينهم الرئيس المدير العام لمجمع “سيدار” “ف.ك”، المتابعين رفقة 17 شخصا في ملف فساد ثقيل طال “عملاق الحديد” في الجزائر، يتعلق بسطو إداري ومالي جماعي من طرف جماعة من المفسدين والفاسدين من داخل مجمع إميتال ومركب الحجار وخارجه كانوا يمارسون الضغوط والابتزاز للإستحواذ على الصفقات العمومية محليا ودوليا.
وجاء تفجير الملف بناء على تقرير مفصل وصل إلى نيابة الجمهورية لدى محكمة القطب الجزائي الاقتصادي والمالي بسيدي أمحمد، يتضمن وقائع فساد وتجاوزات في تسيير المجمع العمومي وتواطؤ لتبديد المال العام وإبرام صفقات وعقود بطريقة مخالفة للقوانين والتنظيمات على مستوى الفرعين الحيويين للمجمع، المتمثلين في مركب الحديد والصلب “سيدار الحجار” والشركة الوطنية للاسترجاع، بغرض منح مزايا غير مستحقة للغير، مما تسبب في تدني القدرة الإنتاجية للمركب والمساس بمنشآته الحسّاسة والتوقفات المتكررة لدورة الإنتاج، وهو ما ألحق أضرارا مالية بالمجمع والخزينة العمومية.
وعلى اثر ذلك تم فتح تحقيق ابتدائي في وقائع الحال من طرف الفرقة المركزية لمكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية بالمصلحة المركزية لمكافحة الجريمة المنظمة بالمديرية العامة للأمن الوطني، والتي توصلت إلى حقائق خطيرة جدا وكشفت عن مخطط ممنهج لتحطيم المؤسسات الاقتصادية الكبرى بتواطؤ من عصابات تعمل في الخفاء داخل فروع هذه المؤسسة العمومية العريقة التي يمكنها أن تكون القوة الصناعية الأولى لإنتاج الحديد الخفيف والثقيل على المستوى الدولي.
وفي التفاصيل الحصرية التي تحوز عليها “الشروق”، فإن التحقيق الأولي في انتظار توسيع التحقيقات إلى 13 فرعا آخر تابع للمجمع العمومي، شمل فرعين حيويين، حيث خلصت إلى تسجيل كوارث حقيقية بكل المقاييس في التسيير وتلاعبات وثغرات كبيرة وتداخل شائك للمصالح ما بين الرئيس المدير لمجمع “ايميتال” وأطراف داخلية وخارجية.
وأزالت التحقيقات الستار عن حقائق رهيبة وأرقام مرعبة عن الفساد الذي عشعش في فروع هذا المجمع الاقتصادي، بعد أن عاث فيه هؤلاء فسادا، بينما كان يفترض أن تكون مهمتهم إنعاش الاقتصاد الوطني، وتشجيع الاستثمارات وخلق مناصب الشغل، من خلال منح امتيازات غير مستحقة في الصفقات والعقود والاتفاقيات المتعلقة بالنقل وتأجير الحافلات والشاحنات والمعدات، إلى جانب تجاوزات خطيرة في الصفقات المتعلقة بشراء النفايات الحديدية وغير الحديدية واستيراد مادة الفحم الحجري، مما كبد الحزينة العمومية مبالغ باهظة بالعملة الوطنية والصعبة، وهو ما أسفر عن الإثراء غير المشروع وتبييض عائدات الفساد من خلال شراء المتهمين في ملف الحال لعقارات وشقق وفتح حسابات وأرصدة بنكية داخل الوطن وخارجه.
والطامة الكبرى هي ما توصل إليه المحققون الذين كشفوا عن خيوط لعبة قذرة داخل “مركب الحجار” لها صلة بالتدخل في التسيير من خلال تجنيد أشخاص يحاولون زعزعة استقرار المركب، من خلال العمل على إشعال شرارة الاحتجاجات وعرقلة عمل المركب وتعطيل عجلة الإنتاج، مع التأثير على قدرته ومردوديته، مما يسمح باستفادة شركات خاصة أخرى منافسة، ملك لأشخاص ومسؤولين، سيكشف عنهم التحقيق قريبا، من مشاريع كان سينجزها المجمع العمومي.
وفي سياق متصل، خلصت التحقيقات إلى تعرض وحدات وورشات “الحجار” إلى التخريب والتعطيل العمدي، مما تسبب في خسائر رهيبة جدا، ناهيك عن تجاوزات خطيرة كانت تحدث بالمركب بحماية من مسؤولي مجمع “ايميتال” و “سيدار”، حيث يتم استغلال إمكانات المركب من طرف شركات المناولة و الحصول على الملايير دون وجهة حق.

بيع السكنات الوظيفية بالدينار الرمزي!
وإلى ذلك، أسفرت التحقيقات أيضا عن التلاعب بالسكنات الوظيفية الخاصة بموظفي المجمع العمومي “إيمتال” وفروعه، المتواجدة في عدة ولايات على غرار عنابة والجزائر العاصمة، حيث أن المتهمين في ملف الحال يقومون ببيعها بالدينار الرمزي لأشخاص يقومون هم بدورهم بإعادة بيعها بمبالغ ضخمة، ليتم تقاسم الغنيمة فيما بينهم، ناهيك عن وقائع تتعلق بممارسات غير أخلاقية تورط فيها متهمون تم إيداعهم الحبس المؤقت وما خفي أعظم.
وأمر قاضي التحقيق لدى القطب الجزائي الاقتصادي والمالي بسيدي أمحمد، بعد استجوابه للمتهمين، بإيداع 5 منهم رهن الحبس المؤقت، وهم: “ب.ط” الرئيس المدير العام لمجمع “إميتال”، “أ.ل” الرئيس المدير العام لمجمع “سيدار”، “ف.ك” أمين ولائي لنقابة ولاية عنابة، “ع. م. ش” مدير الموارد البشرية السابق بمؤسسة سيدار الحجار وحاليا نائب مدير مكلف بالإدارة، “ق. ف” مدير وحدة عنابة التابعة للشركة الوطنية للاسترجاع، كما أمر بوضع باقي المتهمين تحت الرقابة القضائية، عن تهم جنح تبديد أموال عمومية، إساءة استغلال الوظيفة وإبرام صفقات وعقود على نحو يخرق القوانين والتنظيمات، بغرض منح منافع غير مستحقة للغير تبييض الأموال والإثراء غير المشروع.

“الأوليغارشية” ولصوص المال العام يصطدمون بصخرة “فساد قف”
ويأتي فتح هذا الملفّ الجديد وقضايا أخرى مرتقبة قريبًا، بعد طي ملفات فساد 2019 و2020 و 2021، ضمن التجسيد القضائي لالتزامات رئيس الجمهورية، القاضي الأول للبلاد عبد المجيد تبون، بشنّ حرب بلا هوادة ضد الفساد الذي استنزف المال العام ونخر المؤسسات الاقتصادية العمومية طيلة سنوات من النهب وقد حان في عهد الجزائر الجديدة وقت الحساب والعقاب ضد كل من يثبت تورطه في سرقة أموال الشعب تحت أي شكل كان، ولن تسقط جرائم اللصوصية بالتقادم كلما ظهرت قرائن السرقة والتبديد والعبث بخزينة الدولة، وما يخوضه القضاء الجزائري خاصة القطب الجزائي الاقتصادي والمالي من معركة شرسة لقطع دابر الفساد والمفسدين لأحسن دليل على ذلك.
وتكرّس كل هذه المحاكمات والملفات المتوالية وفي كل القطاعات بلا استثناء الإرادة الصادقة لرئيس الجمهورية وعزم العدالة الجزائرية على استئصال شوكة الفساد الذي ابتلع الدولة قبل سنوات قليلة قبل أن يصطدم بصخرة “فساد قف” التي نصبتها السلطات التنفيذية والقضائية في وجه كارتل الأوليغارشية الناهبة والمتواطئين معهم من موظفين عموميين ظلوا محميين في زمن العصابة المندثرة.
وإذا كانت الدولة اليوم بكلّ أجهزتها ومؤسساتها قد أشهرت سيف الحجاج لقطع رؤوس المفسدين، فلا شكّ أنّ ذلك يندرج كذلك في مسعى إنقاذ شركات عمومية قتلها الفساد الممنهج وتعاقُب اللصوص على إدارتها، حتى أضحت عبئا على الخزينة بديونها الباهظة وعطالتها المبرمجة، بينما هي تتمتع بكل امكانات الانتاج والريادة الاقتصادية محليا وأفريقيا وحتى دوليا، وها هي الإرادة السياسية الصادقة تقرر إنعاشها قبل فوات الآن بالتطهير النهائي من بقايا الفساد وآثاره السرطانية.
وفي كل الأحوال، فإنّ الحرب المفتوحة ضد الفساد، في إطار العدالة النزيهة والشفافة، ستكون في نهاية المطاف لصالح الشركات العمومية نفسها، بإعادة بعثها على أسس تسيير صحيحة وحماية عمالها من التشرّد المحتوم ومساهمتها مجددا في برنامج الانعاش الاقتصادي الطموح، لأنّ الإرادة الجادة تميّز بين الفاسدين الذي يبقون معزولين وتصرفاتهم منبوذة قانونيا وأخلاقيا، والمؤسسات التي هي رأسمال وطني ينبغي صيانتها بكل الوسائل الممكنة من العبث والإفلاس.
كما أن معركة الفساد المستمرة منذ 3 سنوات هي الضمان الفعلي لتهيئة مناخ الأعمال والاستثمار في بلادنا، لتحفيز المستثمرين الوطنيين والأجانب، لأنها تقدم كل ضمانات التنافسية وتكافؤ الفرص بين المتعاملين الاقتصاديين والتجاريين في إطار القانون العام الذي يبقى وحده الفصيل، حيث لا محاباة ولا تمييز إلا بمعيار الكفاءة والجدارة والأحقيّة، وهو ما يضع بلادنا على سكّة الانطلاق الحقيقي للدول الصاعدة في غضون السنوات القليلة المقبلة، مثلما يطمح إليه رئيس الجمهورية بكل عزيمة وإصرار ومن ورائه الجزائريون المؤمنون بعهد جديد من الإصلاح والتغيير والبناء الوطني.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!