-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حرب القيم الخفيَّة بين روسيا والغرب

حرب القيم الخفيَّة بين روسيا والغرب

يوجد صراعٌ خفيّ بين روسيا والغرب خلف الصراع العسكري والاقتصادي الدائر اليوم في أوكرانيا. محور هذا الصراع هو القيم. تبدو المصالح الاقتصادية والجيواستراتيجية أساسية، ولكن البحث الأكثر عمقا يُبيِّن أن السبب المحرِّك للعلاقة التناحرية بين روسيا والغرب هي القيم. لقد خافت روسيا من اقتراب منظومة القيم الديمقراطية الليبرالية بكل تفاصيلها من حدودها الغربية، وخاف الغرب من أن يعود الروس كما زمن الاتحاد السوفياتي السابق يرفع لواء قيم شرقية جديدة مضادة للقيم الغربية قادرة على الإطاحة بها فيما عُرف بـ”النظرية السياسية الرابعة” لصاحبها منظّر الكرملين الأول “الاسكندر دوغين”.. وازداد خوف الغرب عندما تَبنَّت الصين رؤيتها الجديدة للعالم تحت عنوان “الحضارة الاشتراكية الروحية” انطلاقا من القاعدة الكونفوشيوسية في مؤتمر الحزب الشيوعي التاسع عشر، وجسَّدت ذلك في دستور الحزب الشيوعي المعدَّل في 24 أكتوبر 2017 .
وتبعت الصين تركيا، بإعلان الرئيس “رجب طيب أردوغان” تَبنِّيه فكرة الديمقراطية الحضارية بديلا عن الديمقراطية الغربية العلمانية التي كان الغرب يُراهن على انتصارها في تركيا لتكون مثالا يُقتدى به في بقية العالم الإسلامي.. وتقاطعت هذه التحوُّلات مع ما كان الغرب يعتبره قِيَما مناهضة لقيمه في العالم بشكل عامّ وعند المسلمين بشكل خاص.. وباتت عبارة دوغين القائلة بأن “المستقبل هو للمقدَّس وليس للمستباح” عنوان معركة بين الشرق والغرب يتفق مع مضمونها جزءٌ كبير من البشرية.. وتجلى ذلك بوضوح أكبر في المحاولة الغربية اليائسة في المدة الأخيرة لفرض قيم مجتمع الشواذ الإباحي والمِثلي كجزء من قيم الحرية والديمقراطية. وعبَّرت كافة الشعوب غير الغربية عن فرحتها بهزيمة المنتخب الألماني في مونديال قطر بعد أن وضع نفسَه مدافعا عن الإباحية والمِثلية من خلال الرسالة التي أراد إيصالها يوم مقابلته الأولى ضد اليابان بالاحتجاج على منعه من ارتداء شارة الشواذ… وكانت هذه إشارة واضحة للصراع الخفي الجاري اليوم في العالم. الحرب ليست اقتصادية أو عسكرية فحسب إنما هي حول القيم ونموذج الحياة، مَن ينتصر على الآخر في آخر المطاف.
لقد أصبحت الديمقراطيات الغربية اليوم تشعر بأن زمن رفعها شعار المدنية والحرية الذي احتلت باسمه غالبية شعوب العالم لم يعد مُجديا. لقد ظهرت قوى دولية اليوم تكشف أن نهاية مسار الحرية الغربية لن يكون غير الشذوذ وإلغاء الطبيعة البشرية للذكر والأنثى وتحطيم الأسرة وإبعاد الإنسان عن إنسانيته وآدميته والسير به نحو حالة من الحيوانية الغريزية التي ليس بعدها سوى البهيمية المناقضة لكل ما هو روحي أو ديني… والخوف كل الخوف أن تكون هذه القوى نووية، يعرِف الغرب الثمن الذي سيدفعه إن واجهها عسكريا مباشرة…
لذلك يتحول “بوتين” من مجرد مُهدِّد للمصالح الاقتصادية والجيواستراتيجية للغرب إلى مُهدِّد للقيم الغربية التي طالما كانت أداة وقاعدة لهيمنة القوى الاستعمارية الليبرالية على العالم. وهذا يُعَدُّ تهديدا وجوديا وليس مؤقتا.. لذلك يقبل الأوروبيون الهيمنة الأمريكية مقابل الدفاع عن بقاء نظامهم القيمي سائدا.. ويَقبل الأمريكيون دَفْع مئات الملايير من الدولارات حتى لا ينتصر “بوتين”.. إن انتصار “بوتين” على الغرب سيعني بداية النهاية لنظام هيمنةٍ عالميٍّ غربيٍّ بدأ بِزَعْمَ نشر الرسالة الحضارية لبقية العالم وانتهى بمحاولة فرض منظومة قيم شاذة عليه… لذلك فمعركة أوكرانيا لن تنتهي حتى يعرف هذا العالم بداية النهاية لنظام غربي فرض هيمنته بقوة السلاح والاضطهاد والاستعباد والنهب لمدة زادت عن  5 قرون.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!